به ، بارع الخطّ ، حسن التّقييد ، مهيبا جزلا ، مع ما كان عليه من التّواضع ، يحبّه الناس ويعظمونه ، خطب بالمسجد الأعظم من مالقة ، وأقرأ به العلم.
مشيخته : قرأ على الأستاذ أبي محمد الباهلي ، وأبيه الولي الخطيب ، رحمه الله. وروى عن جدّه أبي جعفر ، وعن الرّاوية الأستاذ الكبير أبي جعفر بن الزبير ، والرّاوية أبي عبد الله بن عيّاش ، والقاضي أبي القاسم بن السّكوت ، وغيرهم ممن يطول ذكره ، من أهل المشرق والمغرب.
وفاته : توفي بمالقة في أول صفر من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة ، وكان عمره نحوا من تسع وخمسين سنة.
محمد بن محمد بن ميمون الخزرجي
يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بلا أسلم ؛ لكثرة صدور هذه اللفظة عنه ، مرسي الأصل ، وسكن غرناطة ووادي آش وألمريّة.
حاله : من كتاب «المؤتمن» (١) : كان دمث الأخلاق قبل أن يحرجه شيء من مضيّقات الصّدور ، يشارك في العربية ، والشعر النازل عن الدرجة الوسطى لا يخلو بعضه عن لحن. وكان يتعيش من صناعة الطّب. وجرت له شهرة بالمعرفة نرفع به بتلك الصّناعة على حدّ شهرة ترك النّصيحة فيها ، فكانت شهرته بالمعرفة ترفع به. وشهرته بترك النصيحة تنزله ، فيمرّ بين الحالتين بشظف العيش ، ومقت الكافّة إيّاه.
قلت : كان لا أسلم ، طرفا في المعرفة بطرق العلاج ، فسيح التّجربة ، يشارك في فنون ، على حال غريبة من قلّة الظّرف ، وجفاء الآلات ، وخشن الظاهر ، والإزراء بنفسه وبالناس ، متقدّم في المعرفة بالخصوم ، يقصد في ذلك. وله في الحرب والحيل حكايات ، قال صاحبنا أبو الحسن بن الحسن : كانت للحكيم لا أسلم خمر مخبّأة ، في كرم كان له بألمريّة ، عثر عليها بعض الدّعرة ، فسرقها له. قال : فعمد إلى جرّة وملأها بخمر أخرى ، ودفنها بالجهة ، وجعل فيها شيئا من العقاقير المسهّلات ، وأشاع أن الخمر العتيقة التي كانت له لم تسرق ، وإنما باقية بموضع كذا ، فعمد إليها أولئك الدّعرة ، وأخذوا في استعمالها ، فعادت عليهم بالاستطلاق القبيح المهلك ، فقصدوا الحكيم المذكور ، وعرضوا عليه ما أصابهم ، فقال لهم : إيه ، أدّوا إليّ ثمن الشّريبة ،
__________________
(١) هو كتاب «المؤتمن ، على أنباء أبناء الزمن» لأبي البركات ابن الحاج البلفيقي ، أحد شيوخ لسان الدين ابن الخطيب.