وحينئذ أشرع لكم في الدواء ، ويقع الشّفاء بحول الله ، فجمعوا له أضعاف ما كان يساويه خمره ، وعالجهم حتى شفوا بعد مشقّة. وأخباره كثيرة.
وفاته : توفي عقب إقلاع الطّاغية ملك برجلونة عن ألمريّة عام تسعة وسبعمائة (١). وخلفه ابن كان له يسمى إبراهيم ، ويعرف بالحكيم ، وجرى له من الشّهرة ما جرى لأبيه ، مرّت عليه ببخت وقبول ، وتوفي بعد عام خمسين وسبعمائة.
محمد بن قاسم بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري (٢)
جيّاني الأصل مالقيه ، يكنى أبا عبد الله ويعرف بالشّديد على بنية التصغير ، وهو كثير التردّد والمقام بحضرة غرناطة.
حاله : من (٣) أهل الطّلب والذكاء والظّرف والخصوصيّة ، مجموع (٤) خلال من خطّ حسن واضطلاع بحمل كتاب الله. بلبل دوح السّبع المثاني ، وماشطة عروس أبي الفرج الجوزي ، وآية صقعه في (٥) الصّوت ، وطيب النّغمة ، اقتحم لذلك دسوت الملوك ، وتوصّل إلى صحبة الأشراف ، وجرّ أذيال الشهرة. قرأ القرآن والعشر بين يدي السلطان ، أمير المسلمين بالعدوة ، ودنا منه محلّه ، لو لا إيثار مسقط رأسه. وتقرّب بمثل ذلك إلى ملوك وطنه ، وصلّى التّراويح بمسجد قصر الحمراء ، غريب المنزع ، عذب الفكاهة ، ظريف المجالسة ، قادر (٦) على الحكايات ، متسوّر (٧) حمى الوقار ، ملبّ (٨) داعي الانبساط ، على استرجاع واستقامة ، مبرور الوفادة ، منوّه الإنزال ، قلّد شهادة الدّيوان بمالقة ، معوّلا عليه في ذلك ، فكان مغار حبل (٩) الأمانة ، صليب العود ، شامخا (١٠) ، صادق (١١) النّزاهة ، لوحا للألقاب ، محرزا للعمل.
__________________
(١) في غرّة ربيع أول من هذا العام نازل صاحب برجلونه (برشلونة) مدينة ألمرية وأخذ بمخنقها ، ووقعت على جيش أمير المسلمين نصر بن محمد بن نصر ، صاحب غرناطة ، وقعة كبيرة ، ثم رفع الحصار. اللمحة البدرية (ص ٧٥).
(٢) ترجمة محمد بن قاسم الأنصاري في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٢).
(٣) النصّ في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٢ ـ ٣٠٤) بتصرف.
(٤) في النفح : «جملة جمال».
(٥) في النفح : «صقعه ، ونسيج وحده ، في حسن الصوت ...».
(٦) في النفح : «قادرا».
(٧) في الأصل : «مستور». وفي النفح : «متسوّرا».
(٨) في النفح : «ملبّيا».
(٩) في الأصل : «جبل» والتصويب من النفخ.
(١٠) في النفح : «شامخ».
(١١) في النفح : «مارن».