وفاته : ولمّا بلغته بإفريقية وفاة مخيفه ، كرّ راجعا إلى الأندلس ، فتوفي في طريقه ببونة (١) ، من بلاد العنّاب أو بأحوازها في أواخر عام ثلاثين ، أو أقرب من الأواخر وسبعمائة.
محمد بن جابر بن يحيى بن محمد بن ذي النّون التّغلبي
ويعرف بابن الرمّالية ، من أهل غرناطة ، ويعرف خلفه الآن ، ببني مرزبّة ، ولهم أصالة وقدم وجدة.
حاله : فقيه ، نبيه ، نبيل ، ذكي ، عنده معرفة بالفقه والأدب والعربية ، حسن المشاركة والمحاضرة ، حاضر الذهن ، ذاكر لما قرأه.
مشيخته : روى عن الإمام أبي بكر بن العربي. قال أبو القاسم الملّاحي : وحدّثني سنة أربع وستمائة ، قال : حدّثني الإمام أبو بكر بن العربي ، رضي الله عنه ، قال : حدّثني محمد بن عبد الملك السّبتي ، قال : خرجت مع أبي الفضل الجزيري مشيّعين لقافلة الحاجّ من بغداد ، ومودّعين لها من الغد ، وحين أصبحنا أثيرت الجمال ، وفرض الناس الرّحال ، ونحن بموضع يعرف بجبّ عميرة ، إذا بفتى شاحب اللّون ، حسن الوجه ، يشيّع الرّواحل ، راحلة بعد أخرى ، حتى فنيت ، ومشى الحاجّ ، وهو يقول في أثناء تردّده ونظره إليها : [الطويل]
أحجّاج بيت الله ، في أيّ هودج |
|
وفي أيّ بيت من بيوتكم حبّي؟ |
أأبقى رهين القلب في أرض غربة |
|
وحاديكم يحدو فؤادي مع الرّكب؟ |
فوا أسفا لم أقض منكم لبانتي |
|
ولم أتمتّع بالسلام وبالقرب |
وفرّق بيني بالرّحيل وبينكم |
|
فها أنذا أقضي على إثركم نحبي |
يقولون هذا آخر العهد منكم |
|
فقلت وهذا آخر العهد من قلبي (٢) |
قال : فلمّا كمل الحاجّ المشي ، وانقطع رجاؤه ، وجعل يخطو هائما ، وهو ينشد ، ثمّ رمى بنفسه إلى الأرض وقال : [المديد]
خلّ دمع العين ينهمل |
|
بان من تهواه وارتحل |
أيّ دمع صانه كلف |
|
فهو يوم البين ينهمل |
__________________
(١) بونة : مدينة قديمة من بلاد إفريقية ، على ساحل البحر ، مرساها من المراسي المشهورة ، وتسمى بلد العنّاب لكثرة العناب فيها. الروض المعطار (ص ١١٥).
(٢) في الأصل : «قلب» بدون ياء.