حاله : كان رجلا شديد الأدمة ، أعين ، كثّ اللحية ، طرفا في الأمانة ، شديد الاسترابة بجليسه ، مخينا لرفيقه ، سيىء الظنّ بصديقه ، قليل المداخلة ، كثير الانقباض ، مختصر الملبس والمطعم ، عظيم المحافظة على النّفير والقطمير ، مستوعب للحصر والتّقييد ، أسير محيي وعابد زمام ، وجنيب أمانة ، وحلس سقيفة ، ورقيب مشرف ، لا يقبل هوادة ، ولا يلابس رشوة ، كثير الالتفات ، متفقّدا للآلة ، متمما للعمل.
جرى ذكره في بعض الموضوعات الأدبية بسبب شعر خامل نسب إليه بما نصه (١) : رجل غليظ (٢) الحاشية ، معدود في جنس السائمة والماشية ، تليت على العمال به سورة الغاشية ، ولي (٣) الأشغال السلطانية ، فذعرت الجباة لولايته ، وأيقنوا (٤) بقيام قيامتهم لطلوع آيته ، وقنطوا كلّ القنوط ، وقالوا : جاءت الدّابّة تكلّمنا وهي إحدى الشروط ، من رجل صائم الحسوة (٥) ، بعيد عن (٦) المصانعة والرّشوة ، يتجنّب الناس ، ويقول عند المخالطة (٧) لهم : لا مساس ، عهدي به في الأعمال يخبط ويتبر (٨) ، وهو (٩) يهلّل ويكبّر ، ويحسّن (١٠) ويقبّح ، وهو يسبّح ، انتهى. قلت : وولّي الأشغال السلطانية ، فضمّ النّشر ، وأوصد باب الحيلة ، وبثّ أسباب الضّياع ، وترصّد ليلا وأصيب بجراحة أخطأته ، ثم عاجلته الوفاة ، فنفّس عن أقتاله المخنّق.
شعره : قال يخاطب بعض أثراء الدّولة قبل نباهته (١١) : [الطويل]
عمادي ، ملاذي ، موئلي ، ومؤمّلي |
|
ألا أنعم بما ترضاه للمتأهّل |
وحقّق بنيل القصد منك رجاءه |
|
على نحو ما يرضيك يا ذا التّفضّل |
فأنت الذي في العلم يعرف قدره |
|
بخير زمان فيه لا زلت تعتلي (١٢) |
فهنّيت يا مغنى (١٣) الكمال برتبة |
|
تقرّ لكم بالسّبق في كلّ محفل |
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٥٤).
(٢) في النفح : «كثيف».
(٣) في النفح : «تولّى».
(٤) في النفح : «وقامت قيامتهم لطلوع ...».
(٥) في النفح : «الحشوة».
(٦) في النفح : «من».
(٧) في النفح : «عند المخاطبة : لا ...».
(٨) في النفح : «في الأعمال يقدّر فيها ويدبّر ، ويرجّح ويعبّر ، ويحبط ويتبّر».
(٩) في النفح : «وهو مع ذلك يكبّر».
(١٠) في النفح : «ويحسّن من الأزمنة ويقبّح».
(١١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٠).
(١٢) في الأصل : «منه لا زلت فيه تعتل» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(١٣) في النفح : «معنى».