كان ، رحمه الله ، شيخا صالحا ، جهوريّا ، بعيدا عن المصانعة ، متساوي الظاهر والباطن ، مغلظا لأهل الدّنيا ، شديدا عليهم ، غير مبال في الله بغيره ، يلبس خرقة الصّوفية من غير التزام لاصطلاح ، ولا منقاد لرقو ، ولا مؤثر لسماع ، مشاركا للناس ، ناصحا لهم ، ساعيا في حوائجهم. خدم الصالح الكبير أبا العباس بن مكنون ، وسلك به ، وكان من بيت القيادة والتّجنّد ، فرفض زيّه ، ولبس المسوح والأسمال. وكان ذا حظّ من المعرفة ، يتكلم للناس. قال شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب : سمعته ينشد في بعض مجالسه : [الرجز]
يا غاديا في غفلة ورائحا |
|
إلى متى تستحسن القبائحا؟ |
وكم إلى كم لا تخاف موقفا |
|
يستنطق الله به الجوارحا؟ |
يا عجبا منك وأنت مبصر |
|
كيف تجنّب (١) الطريق الواضحا؟ |
كيف تكون حين تقرا (٢) في غد |
|
صحيفة قد ملئت فضائحا؟ |
أم كيف ترضى أن تكون خاسرا |
|
يوم يفوز من يكون رابحا؟ |
ولمّا حاصر الطّاغية مدينة ألمريّة (٣) وأشرفت على التلف ، تبرّع بالخروج منها ولحاقه بباب السلطان ؛ لبثّ حالها ، واستنفار المسلمين إلى نصرها ، فيسّر له من ستر غرضه ، وتسهيل قصده ، ما يشهد بولايته.
وفاته : توفي بألمريّة محلّ سكناه ، في حدود عام خمسة عشر وسبعمائة.
محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري
غرناطي ، قيجاطي (٤) الأصل ، يعرف بالسّواس.
قال في «المؤتمن» (٥) في حاله : رجل متطبّب ، سهل الخلق ، حسن اللقاء ، رحل من بلده ، وحجّ ، وفاوض بالمشرق الأطباء في طريقته ، وعاد فتصدّر للطب ، ثم عاد إلى بلاد المشرق. قلت : وعظم صيته ، وشهر فضله ، وقدّم أمينا على أحباس
__________________
(١) في الأصل : «تجتنب» وكذا ينكسر الوزن.
(٢) في الأصل : «تقرأ» وكذا ينكسر الوزن ، لذا حذفنا الهمزة.
(٣) المراد بالطاغية صاحب برجلونة ، إذ حاصر في غرة ربيع الأول من عام ٧٠٩ ه مدينة ألمرية وأخذ بمخنقها ، ووقعت على جيش أمير المسلمين نصر بن محمد بن نصر ، صاحب غرناطة ، وقعة كبيرة ، ثم رفع الحصار. اللمحة البدرية (ص ٧٥).
(٤) نسبة إلى قيجاطةquesada ، وهي مدينة بالأندلس من عمل جيان ، تقع على ثلاثين كيلو مترا إلى الجنوب الشرقي من أبدة. الروض المعطار (ص ٤٨٨).
(٥) هو كتاب «المؤتمن على أنباء أبناء الزمن» لأبي البركات محمد بن محمد بن عياش البلفيقي.