وفاته : سافر من بلده إلى غرناطة في بعض وجهاته إليها ، وذهب سحرا يرتاد ماء لوضوئه ، فتردى في حفرة تردّيا أوهن قواه ، وذلك بخارج بلّش (١) ، فردّ إلى مالقة ، فكانت بها وفاته قبل الفجر من ليلة يوم الجمعة الرابع عشر لشعبان عام تسعة وأربعين وسبعمائة.
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري (٢)
يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بالسّاحلي.
حاله : من «عائد الصلة» : المثل السائر في عمران أوقاته كلها بالعبادة ، وصبره على المجاهدة. قطع عمره في التّبتّل والتّهجّد ، لا يفتر لسانه عن ذكر الله والصلاة على نبيّه ، صلى الله عليه وسلم. خرج عن متروك والده ، واقتصر على التّعيّش من حرفة الخياطة. ثم تعدّاها إلى النّسخ والتّعليم ، وسلك على الشيخ أبي القاسم المريد ، نفع الله به ، حتى ظهرت عليه سيما الصالحين ، وأقام عمره مستوعبا ضروب الخير ، وأنواع القرب من صوم وأذان وذكر ونسخ وقراءة وملازمة خلوة ، ذا حظّ من الفصاحة ، وجرأة على الوعظ في صوت جهير وعارضة صليبة. اقتدى به طوائف من أصناف الناس على تباعد الدّيار ، وألزمهم الأذكار ، وحوّلهم للسلوك ، فأصبح كثير الأتباع ، بعيد الصّيت. وولّي الخطابة بالمسجد الجامع من بلده ، ونقل إلى الخطابة بجامع غرناطة في نبوة عرضت له بسبب ذنابى ذرّية طرقوا الكدر إلى سربه ، ثم عاد إلى بلده متين ظهر الحظوة ، وثيق أساس المبرّة.
مشيخته : قرأ ببلده مالقة على الخطيب أبي محمد بن عبد العظيم بن الشيخ ، وأبي عبد الله بن لب ، وأبي جعفر الحرّار ، وأبي عبد الله بن الحلو ، والخطيب أبي عبد الله بن الأعور.
محنته : ابتلي بعد السبعين من عمره بفقد بصره ، فظهر منه من الصبر والشكر والرّضا بقضاء الله ما يظهر من مثله. وأخبرني بعض أصحابه أنه كان يقول : سألت الله أن يكفّ بصري خوفا من الفتنة. وفي هذا الخبر نظر لمكان المعارضة في أمره ، صلى الله عليه وسلم ، بسؤال العافية والإمتاع بالإسماع والإبصار.
__________________
(١) هي بلّش مالقةvelez malaga ، وقد ذكرها ياقوت مكتفيا بالقول : «بلّش ، بالفتح وتشديد اللام والشين معجمة : بلد بالأندلس ينسب إليه يوسف بن جبارة البلشي». معجم البلدان (ج ١ ٤٨٤).
(٢) ترجمة محمد بن أحمد الأنصاري الساحلي في نيل الابتهاج (ص ٢٣٠) والكتيبة الكامنة (ص ٤٥).