محمد بن يوسف بن خلصون
يكنى أبا القاسم ، روطيّ (١) الأصل ، لوشيّه (٢) ، سكن لوشة وغرناطة ومالقة.
حاله : كان من جلّة المشيخة وأعلام الحكمة ، فاضلا ، منقطع القرين في المعرفة بالعلوم العقلية ، متبحرا في الإلهيات ، إماما في طريقة الصّوفية ، من أهل المقامات والأحوال ، كاتبا بليغا ، شاعرا مجيدا ، كثير الحلاوة والطّلاوة ، قائما على القرآن ، فقيها أصوليا ، عظيم التخلّق ، جميل العشرة. انتقل من حصن روطة إلى الخطابة والإمامة بلوشة ، كثير الدؤوب على النّظر والخلوة ، مقصودا من منتحلي ما لديه ضرورة. لم يتزوج ، وتمالأت عليه طائفة ممن شانها الغضّ من مثله ، فانزعج من لوشة إلى مالقة ، فتحرّف بها بصناعة الطّب ، إلى حين وفاته.
حدّثني والدي ، وكان خبيرا بأحواله ، وهو من أصحاب أبيه ، قال : أصابت الناس شدّة قحط ، وكانت طائفة من أضداده تقول كلاما مسجّعا ، معناه : إنكم إن أخرجتم ابن خلصون من بينكم ، مطرتم. قال : فانزعج عنها ، ولما كان على أميال نزل الغيث الرغد ، قال : فسجد بموضعه ذلك ، وهو معروف ، وقال : سيدي ، وأساوي عندك هذا المقدار ، وأوجب شكرانا. وقدم غرناطة ، وبها الأستاذ أبو عبد الله الرّقوطي ، وله استيلاء على الحظوة السلطانية ، وشأنه اختبار من يرد على الحضرة ممن يحمل فنّا ، وللسلطان على ابن خلصون موجدة ، لمدحه في حداثته أحد الثوار عليه بقمارش (٣) ، بقصيدة شهيرة. فلمّا حضر ، سأله الأستاذ : ما صناعتك ، فقال : التصوّف ، فالتفت إلى السلطان وقال : هذا رجل ضعيف لا شيء لديه ، بحيث لا يفرّق بين الصّناعة وغيرها ، فصرفه رحمه الله.
تواليفه : وتواليفه كثيرة ، تدل على جلالته وأصالة معرفته ، تنطق علما وحكمة ، وتروق أدبا وظرفا. فمن ذلك كتابه في «المحبة» ، وقفت عليه بخط جدّي الأقرب سعيد ، وهو نهاية. وكتاب «وصف السلوك ، إلى ملك الملوك» ، عارض به معراج
__________________
(١) نسبة إلى روطة : rueda ، وهي حصن يقع شمال مدينة شريش. وهي غير روطة أحد حصون سرقسطة.
(٢) نسبة إلى لوشةloja ، وهي مدينة بالأندلس ، بينها وبين إلبيرة ثلاثون ميلا. الروض المعطار (ص ٥١٣).
(٣) قمارش : بالإسبانيةcomares ، وهي بلدة بالأندلس تقع شمال شرقي مالقة في سفح جبل الثلج (سييرا نفادا).