قال : وأخبار ابن شاطر تحتمل كرّاسة ، قلت : رأيته بفاس في أخريات عام خمسة وخمسين ، وهو الآن بحاله الموصوفة ، قد أربى على السّبعين.
محمد بن محمد بن عبد الرحمن التميمي ابن الحلفاوي
من أهل تونس ، يكنى أبا عبد الله ، نزيل غرناطة ، ويعرف بالتّونسي وبابن المؤذن ببلده.
حاله : من «العائد» : قال : وليّ الله المجاب الدعوة ، الظاهر الكرامة ، المشهود له بالولاية. ورد الأندلس في جملة من تجّار بلده ، وبيده مال كبير بذله في معاملة ربّه ، إلى أن استأصله بالصّدقة ، وأنفقه في سبيل الله ابتغاء مرضاته ، وتجرّد عن الدنيا ، وأخذ نفسه بالصّلاة والصّوم والتّلاوة وكثرة السّجود والتّطارح على ذلك ، محفوظا في ذلك كله حفظة الأولياء ، مذكّرا بمن سلفه من الزّهاد ، عازبا عن الدنيا ، أخذ نفسه بسلوك الإيتاب عنها ، رحمة للخلق ، وتمالأ للمساكين ، يقصده الناس بصدقاتهم ، فيبثّها في ذوي الحاجات ، فيتألّف في باب مسجده آلاف من رجالهم ونسائهم وصبيانهم ، حتى يعمّهم الرّفد ، وتسعهم الصّدقة. وكان غريب الأحوال ؛ إذا وصل وقت الصلاة يظهر عليه البشر والسّرور ، ويدخل مسجده الذي ابتناه واحتفل فيه ، فيخلو بنفسه آخذا في تعبّدات كثيرة غريبة شاملة لجميع أركان المسجد ، ويزدحم الناس حول المسجد ، وأكثرهم أهل الفاقة ، فإذا تمكّن الوقت أذّن أذانا مؤثّرا في القلوب ، جدى وصدقا ووقارا ، كان صدره ينصدع عند قول : لا إله إلّا الله. ثم يعبد التّعبّد والسّجود في الصّومعة وأدراجها ، حتى يفتح باب المسجد ، وينتقل إلى صدر المحراب ، فيصلي ركعات خفيفة ، فإذا أقام الصلاة ، ووقف عند المحراب ، ظهر عليه من الخوف والكآبة والحزن والانكسار والتّضرّع والتّملّق والرّغبة ، ما لا تفي العبارة بوصفه ، كأن موقفه موقف أهل الجرائم بين أيدي الملوك الجبابرة. فإذا أتمّ الصلاة على أتمّ هيئاتها ، ترى كأن الغبار على وجهه ، أو كأنه حشر من قبر ، فإذا شرع في الدّعاء بأثر الصلاة ، يتلوه بترداد الصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، في كل دعوة ، ويتوسّل به ، وتظهر عليه أحوال من الحضور والمراقبة ، وينجلي عن وجهه ما كان به. وكان يختم القرآن في شهر رمضان مائة ختمة ، فما من ليلة إلّا ويحيي اللّيل كلّه فيها بمسجده. هذا ترتيبه ، ولو تتبّعنا ما شوهد من كراماته وأحواله ، لخرجنا عن الغرض.
ولادته : ولد بتونس في حدود الأربعين وستمائة.