إليك خطابي والحديث لغائب |
|
كنيت بلفظي عن مغيبك بالعمد |
عليك سلامي إنني متشوّق |
|
للقياك لي أو من جوابك بالرّدّ |
وفاته : توفي بغرناطة تحت جراية من أمرائها ؛ لاختصاصه بقراءة القرآن على قبورهم ، في التاسع عشر من شعبان عام ستة وثلاثين وسبعمائة.
محمد بن عبد الولي الرّعيني
من أهل غرناطة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بالعوّاد.
حاله : من «عائد الصلة» : الشيخ المكتّب ، الأستاذ الصالح ، سابق الميدان ، وعلم أعلام القرآن ، في إتقان تجويده ، والمعرفة بطرق روايته ، والاضطلاع بفنونه ، لا يشقّ غباره ، ولا يتعاطى طلقه ، ولا تأتي الأيّام بمثله ، تستقصر بين يديه مدارك الأعلام ، وتظهر سقطات الأئمة ، مهتديا إلى مكان الحجج على المسائل ، مصروف عنان الأشغال إليه ، مستندا إلى نغمة رخيمة ، وإتقان غير متكلّف ، وحفظ غزير. وطلب إلى التّصدّر للإقراء ، فأبى لشدّة انقباضه ، فنبّهت (١) بالباب السلطاني على وجوب نصبه للناس ، فكان ذلك في شهر شعبان من عام وفاته ، فانتفع به ، وكان أدأب الناس على سنّة ، وألزمهم لميقات ورد ، يجعل جيرانه حركته إلى ذلك ليلا ، ميقاتا لا يختلف ولا يكذب ، في ترحيل الليل ، شديد الطرب ، مليح الترتيب ، لا تمرّ به ساعة ضياعا إلّا وقد عمرها بشأن ديني أو دنياوي ضروري مما يسوّغه الورع. يلازم المكتب ناصح التعليم ، مسوّيا بين أبناء النّعم ، وحلفاء الحاجة ، شامخ الأنف على أهل الدّنيا ، تغصّ السّكك عند ترنّمه بالقرآن ، مساوقا لتلاوة التجويد ، ومباشرا أيام الأخمسة والأثانين العمل في موئل كان له ، على طريقة القدماء من الإخشيشان عند المهن ونقل آلة الخدمة ، غير مفارق للظّرف والخصوصية. ويقرأ أيام الجمعات كتب الوعظ والرّقائق على أهله ، فيصغي إليه الجيران عادة لا تختلف. وكان له لكل عمل ثوب ، ولكل مهنة زيّ ، ما رأيت أحسن ترتيبا منه. وهو أستاذي وجاري الألصق ، لم أتعلّم الكتاب العزيز إلّا في مكتبه ، رحمة الله عليه.
مشيخته : قرأ على بقيّة المقرئين الأستاذ أبي جعفر بن الزبير ، ولازمه وانتفع به ، وعلى الأستاذ أبي جعفر الجزيري الضرير ، وأخذ عن الخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد.
__________________
(١) تاء الضمير هنا تعود إلى ابن الخطيب ، مؤلف هذا الكتاب.