حاله : قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير : شاعر رقيق مطبوع ، متقدّم ، سريع البديهة ، رشيق الأغراض ، ذاكر للأدب واللغة. تحرّف مدّة بصناعة التّوثيق ببلده ، وولّي القضاء مرات بجهات غرناطة وغيرها. وكان حسن الكتابة إذا كتب ، والشّعر أغلب عليه. وذكره ابن خلاد ، وابن عبد الملك ، فأما ابن عبد الملك ، فلم يستوف له ما استوفى لغيره ، وأما ابن خلّاد ، فقصر به ، إذ قال : كانت نشأته بمالقة بلده ، وقرارة مولده في ناسها ووسط أجناسها ، لم يتميّز بحسب ، ولم يتقدّم في ميدان نسب ، وإنما أنهضه أدبه وشعره ، وعوّضه بالظّهور من الخمول نظمه ونثره ، فطلع في جبين زمانه غرّة منيرة ، ونصع في سلك فصحاء أوانه درّة خطيرة ، وحاز من جيله رتبة التقديم ، وامتاز في رعيله بإدراك كلّ معنى وسيم. والإنصاف فيه ما ثبت لي في بعض التقييدات ، وهو الشيخ المسنّ المعمّر الفقيه ، شاعر المغرب ، وأديب صقعه ، وحامل الرّاية ، المعلّم بالشّهرة ، المثل في الإكثار ، الجامع بين سهولة اللفظ ، وسلاسة المعنى ، وإفادة التّوليد ، وإحكام الاختراع ، وانقياد القريحة ، واسترسال الطّبع ، والنّفاذ في الأغراض. استعان على ذلك بالعلم ، بالمقاصد اللّسانية لغة وبيانا وعربيّة وعروضا ، وحفظا واضطلاعا ، إلى نفوذ الذّهن ، وشدّة الإدراك ، وقوّة العارضة ، والتّبريز في ميدان اللّوذعية ، والقحة والمجانة ، المؤيّد ذلك بخفّة الرّوح ، وذكاء الطّبع ، وحرارة النّادرة ، وحلاوة الدّعابة ، يقوم على الأغربة والأخبار ، ويشارك في الفقه ، ويتقدّم في حفظ اللغة ، ويقوم على الفرائض. وتولّى القضاء. وكتب عن الأمراء ، وخدم واسترفد ، وكان مقصودا من رواة العلم والشّعر ، وطلّاب الملح ، وملتمسي الفوائد ، لسعة الذّرع وانفساح المعرفة ، وعلوّ السّن ، وطيب المجالسة ، مهيبا مخطوب السّلامة ، مرهوبا على الأعراض ، في شدقه شفرته وناره ، فلا يتعرّض إليه أحد بنقد ، أو أشار إلى قناته بغمز ، إلّا وناط به آبدة ، تركته في المثلات ، ولذلك بخس وزنه ، واقتحم حماه ، وساءت بمحاسنه القالة ، رحمه الله وتجاوز عنه.
مشيخته : تلا بالسّبع على أبي جعفر بن علي الفخّار (١) ، وأخذ عنه بمالقة وعن غيره. وصحب وجالس من أهلها أبا بكر عبد الرحمن بن علي بن دحمان ، وأبا عبد الله الإستجي ، وابن عسكر ، وأبا عمرو بن سالم ، وأبا النعيم رضوان بن خالد (٢) ، وانتفع بهم في الطريقة ، وبفاس أبا زيد اليرناسني الفقيه. ولقي بإشبيلية أبا
__________________
(١) في الذيل والتكملة (السفر الثامن ص ٥٢٧) : المقرئ أبو جعفر الفحام.
(٢) رضوان بن خالد المخزومي من مالقة ، كان أديبا شاعرا مجيدا ، توفي سنة ٦٤٢ ه. ترجمته في التكملة (ج ١ ص ٢٥٩) واختصار القدح المعلى (ص ١٨٥).