ومحاسن اشتمل حلاها. واستمرّ في ذكر شيوخه على هذه الوتيرة من التزام السّجع ، وتقرير الحلي ، فأجاد ، وتجاوز المعتاد ، فذكر منهم محمد بن يحيى الباهلي المذكور ، وأنه أخذ عنه جملة من العلوم ، فأفرده بقراءة الإرشاد ؛ والأستاذ أبا علي بن حسن البجلي ، وقرأ عليه جملة من الحاصل ، وجملة من المعالم الدينية والفقهية ، والكتب المنطقية ، كالخونجي ، والآيات البيّنات ؛ والقاضي أبا عبد الله محمد بن أبي يوسف ، قاضي الجماعة ببجاية ؛ وأبا العباس أحمد بن عمران الساوي اليانيولي. قال : ثم ثنيت العنان بتوجّهي إلى تلمسان ، راغبا في علوم العربية ، والفهوم الهندسية والحسابية ، فأول من لقيت شيخنا الذي علمت في الدنيا جلالته وإمامته ، وعرفت في أقاصي البلاد سيادته وزعامته ، وذكر رئيس الكتّاب العالم الفاضل أبا محمد عبد المهيمن الحضرمي ، والمحدّث البقيّة أبا العباس بن يربوع ، والقاضي أبا إسحاق بن أبي يحيى ، وقرأ شيئا من مبادئ العربية على الأستاذ أبي عبد الله الرّندي. ولقي بالأندلس جلّة ؛ فممّن قرأ عليه إمام الصنعة العربية شيخنا أبو عبد الله بن الفخّار الشهير بالبيري ، ولازمه إلى حين وفاته ، وكتب له بالإجازة والإذن له في التّحليق بموضع قعوده من المدرسة بعده. وقاضي الجماعة الشريف أبو القاسم محمد بن أحمد الحسيني ، نسيج وحده ، ولازمه ، وأخذ عنه تواليفه ، وقرأ عليه تسهيل الفوائد لابن مالك ، وقيّد عليه ، وروى عن شيخنا إمام البقية أبي البركات ابن الحاج ، وعن الخطيب المحدّث أبي جعفر الطّنجالي ، وهو الآن بالحال الموصوفة. أعانه الله وأمتع به.
شعره : زرنا معا والشيخ القاضي المتفنّن أبو عبد الله المقرئ ، عند قدومه إلى الأندلس ، رباط العقاب (١). واستنشدت القاضي ، وكتب لي يومئذ بخطّه : استنشدني الفقيه الوجيه الكامل ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الخطيب ، أطال الله بقاه كما أطال ثناه ، وحفظ مهجته ، كما أحسن بهجته ، فأنشدته لنفسي : [البسيط]
لمّا رأيناك بعد الشّيب يا رجل |
|
لا تستقيم وأمر النفس تمتثل |
زدنا يقينا بما كنّا نصدّقه |
|
عند المشيب يشبّ الحرص والأمل |
وكان ذلك بمسجد رابطة العقاب ، عقب صلاة الظهر من يوم الأحد التاسع والعشرين لشهر ربيع الآخر من عام سبعة وخمسين وسبعمائة. وكتب الشيخ الأستاذ أبو علي يقول : منصور بن علي الزّواوي ، في رابطة العقاب في كذا ، أجزت صاحبنا
__________________
(١) رباط العقاب أو رابطة العقاب كانت تخصّص للعبادة ، وكانت على مقربة من مدينة غرناطة.
الإحاطة (ج ٣ ص ٣٢٩) حاشية رقم ١ ، من تعليق المحقق محمد عبد الله عنان.