ينفضّ في زوايا الفحص عن مثل مضطبنه ، فظنّه رئيسا من رؤساء الجند ، فقصده ورغب منه إجازة خبيئته بباب المدينة ، وقرّر لتخوّفه من ظلم الحافز الكذا مسلم ، فأخذها منه وخبّأها تحت ثيابه ، ووكّل به. ولم يذهب المسكين إلّا يسيرا ، حتى سأل عن الرجل ، فأخبر أنّه الذي فرّ عنه ، فسقط في يده. ثم تحامل ، فألفاه ينظره في داخل السور ، فدفع إليه أمانته ، وقال : سر في حفظ الله ، فقد عصمها الله من ذلك الرجل الظالم. فخجل الرجل ، وانصرف متعجّبا. وأخباره في السّراوة ونجح الوسيلة كثيرة.
وفاته : توفي في عام ثمانية وتسعين وستمائة ، وشهد أميره دفنه ، وكان قد أسفّ ولي العهد بأمور صانعه فيها من باب خدمة والده ، فكان يتلمّظ لنكبته ، ونصب لثاته لأكله ، فعاجله الحمام قبل إيقاع نقمته به. ولمّا تصيّر إليه الأمر ، نبش قبره ، وأخرج شلوه ، فأحرق بالنار ، إغراقا في شهوة التّشفي ، رحمه الله عليه.
ومن العمال الأثراء
مؤمّل ، مولى باديس بن حبّوس
حاله ومحنته : قال ابن الصّيرفي : وقد ذكر عبد الله بن بلقّين ، حفيد باديس ، واستشارته عن أمره ، لمّا بلغه حركة يوسف بن تاشفين إلى خلعه. وكان في الجملة من أحبابه ، رجل من عبيد جدّه اسمه مؤمّل ، وله سنّ ، وعنده دهاء وفطنة ، ورأي ونظر. وقال في موضع آخر : ولم يكن في وزراء مملكته وأحبار دولته ، أصيل الرأي ، جزل الكلمة ، إلّا ابن أبي خيثمة (١) من كتبته ، ومؤمّل من عبيد جدّه ، وجعفر من فتيانه. رجع ، قال : فألطف له مؤمّل في القول ، وأعلمه برفق ، وحسن أدب ، أن ذلك غير صواب ، وأشار إليه بالخروج إلى أمير المسلمين إذا قرب ، والتّطارح عليه ، فإنه لا تمكنه مدافعته ، ولا تطاق حربه ، والاستجداء له أحمد عاقبة وأيمن مغبّة. وتابعه على ذلك نظراؤه من أهل السّن والحنكة ، ودافع في صدّ رأيه الغلمة والأغمار ، فاستشاظ غيظا على مؤمّل ومن نحا نحوه ، وهمّ بهم ، فخرجوا ،
__________________
(١) أغلب الظن أنه أبو بكر أحمد بن زهير بن حرب ، المعروف بابن أبي خيثمة ، الذي ذكره ابن خير مصنّفا لكتاب تاريخ هام. فهرسة ابن خير (ص ٢٥١ ـ ٢٥٢). راجع أيضا مذكرات الأمير عبد الله (ص ١٥٨) ومملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٢٢٢).