وقد سلّ بهم فرقا منه. فلمّا جنّهم الليل فرّوا إلى لوشة ، وبها من أبناء عبيد باديس قائدها ، فملكوها وثاروا فيها ، بدعوة أمير المسلمين يوسف بن تاشفين. وبادر مؤمّل بالخطاب إلى أمير المسلمين المذكور وقد كان سفر إليه عن سلطانه ، فأعجبه عقلا ونبلا ، فاهتزّ إليه ، وكان أقوى الأسباب على حركته. وبادر حفيد باديس الأمر ، فأشخص الجيش لنظر صهره ، فتغلّب عليهم ، وسيق مؤمّل ومن كان معه شرّ سوق في الحديد ، وأركبوا على دواب هجن ، وكشفت رؤوسهم ، وأردف وراء كلّ رجل من يصفعه. وتقدّم الأمر في نصب الجذوع وإحضار الرّماة. وتلطّف جعفر في أمرهم ، وقال للأمير عبد الله : إن قتلتهم الآن ، أطفأت غضبك ، وأذهبت ملكك ، فاستخرج المال ، وأنت من وراء الانتقام ، فثقّفهم ، وأطمعوا في أنفسهم ريثما شغله الأمر ، وأنفذ إليه يوسف بن تاشفين في حلّ اعتقالهم ، فلم تسعه مخالفته وأطلقهم. ولمّا ملك غرناطة على تفيئة تلك الحال ، قدّم مؤمّلا على مستخلصه (١) وجعل بيده مفاتيح قصره ، فنال ما شاء من مال وحظوة ، واقتنى ما أراد من صامت وذخيرة. ونسبت إليه بغرناطة آثار ، منها السّقاية بباب الفخّارين ، والحوز المعروف بحوز مؤمّل (٢) ، أدركتها وهي بحالها.
وفاته : قال ابن الصّيرفي : وفي ربيع الأول من هذا العام ، وهو عام اثنين وتسعين وأربعمائة ، توفي بغرناطة مؤمّل مولى باديس بن حبّوس ، عبد أمير المسلمين ، وجابي مستخلصه ، وكان له دهاء وصبر ، ولم يكن بقارئ ولا كاتب. رزقه الله عند أمير المسلمين ، أيام حياته ، منزلة لطيفة ودرجة رفيعة. ولمّا أشرف على المنيّة ، أحضر ما كان عنده من مال المستخلص ، وأشهد الحاضرين على دفعه إلى من استوثقه على حمله ، ثم أبرأ جميع عماله وكتّابه. وأنفذ رجلا من صنائعه إلى أمير المسلمين بجملة من مال نفسه ، يريه أن ذلك جميع ما اكتسبه في دولته ، أيام خدمته ، وأن بيت المال أولى به ، ورغب في ستر أهله وولده ، فلمّا وصل إليه ، أظهر الأسف عليه ، وأمضى تقديم صنيعته. ثم ذكر ما كشف البحث عنه من محتجنه ، وشقاء من خلفه بسببه ، وعدّد مالا وذخيرة.
__________________
(١) المستخلص : أملاك السلطان وأمواله.
(٢) حور مؤمل أو حوز مؤمل : كان من أجمل متنزهات غرناطة وأظرفها ، سمي بذلك نسبة إلى مؤمل أحد خدام ملك غرناطة باديس بن حبوس ، ولاحتوائه على سطر من شجر الحوز. مملكة غرناطة (ص ٣٥).