يتحلّى بخطّة هي به تتحلّى. كيف يهنأ بالقعود لسماع دعوة (١) الباطل ، ولمعاناة (٢) الإنصاف الممطول من الماطل ، والتّعب في المعادلة ، بين ذوي المجادلة. أما لو علم المتشوّقون (٣) إلى خطّة الأحكام ، المستشرفون إلى ما لها من التّبسّط والاحتكام ، ما يجب لها من اللّوازم ، والشروط الجوازم ، كبسط الكنف ، ورفع الجنف ، والمساواة بين العدوّ وذي الذّنب ، والصاحب بالجنب ، وتقديم ابن السّبيل ، على ذي الرّحم والقبيل ، وإيثار الغريب ، على القريب ، والتوسّع في الأخلاق ، حتى لمن ليس له من خلاق ، إلى غير ذلك ممّا علم قاضي الجماعة أحصاه ، واستعمل لخلقه (٤) الفاضل أدناه وأقصاه ، لجعلوا خمولهم مأمولهم ، وأضربوا عن ظهورهم (٥) ، فنبذوه وراء ظهورهم (٦) ، اللهمّ إلّا من أوتي بسطة في العلم ، ورسا طودا في ساحة الحلم ، وتساوى ميزانه في الحرب والسّلم ، وكان كقاضي الجماعة (٧) ، في المماثلة بين أجناس الناس ، فقصاراه أن يتقلّد الأحكام للأجر ، لا للتّعسف (٨) والزّجر ، ويتولّاها للثواب ، لا للغلظة في ردّ الجواب ، ويأخذها لحسن الجزاء ، لا لقبح (٩) الاستهزاء ، ويلتزمها لجزيل الذّخر ، لا للإزراء والسّخر. فإذا كان كذلك ، وسلك المتوليّ هذا السّالك (١٠) ، وكان كقاضي (١١) الجماعة ولا مثل له ، ونفع الحقّ به علله ، ونقع غلله ، فيومئذ تهنأ (١٢) به خطّة القضاء ، ويعرف ما لله عليه (١٣) من اليد البيضاء.
ومحاسنه في النثر أيضا جمّة.
ومن أخباره (١٤) أنه رحل إلى مرّاكش متسبّبا (١٥) في جهاز بنت بلغت التّزويج ، وقصد دار الإمارة مادحا ، فما تيسّر له شيء من أمله ، ففكّر في خيبة قصده ، وقال : لو كنت تأمّلت (١٦) جهة الله ، ومدحت المصطفى (١٧) صلى الله عليه وسلم ، وآل بيته الطاهرين ، لبلغت أملي بمحمود عملي. ثم استغفر الله (١٨) في توجّهه الأول ، وعلم أن ليس على غير
__________________
(١) في المصدرين : «دعاوى».
(٢) في المصدرين : «والمعاناة لإنصاف».
(٣) في المصدرين : «المتشوفون».
(٤) في المصدرين : «خلقه».
(٥) الظهور : مصدر ظهر أي بدا.
(٦) الظهور : جمع ظهر.
(٧) في النفح : «وكان كمولانا».
(٨) في المصدرين : «لا للتعنيف».
(٩) في النفح : «لقبيح».
(١٠) في المصدرين : «هذه المسالك».
(١١) في الذيل : «مثل قاضي». وفي النفح : «وكان قاضي».
(١٢) في المصدرين : «تهنّى».
(١٣) في الذيل : «وتعرف بما لله عليه ...». وفي النفح : «وتعرف ما لله تعالى عليه ...».
(١٤) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ٦٤).
(١٥) كلمة «متسببا» ساقطة في النفح.
(١٦) في النفح : «أمّلت الله سبحانه».
(١٧) في النفح : «نبيّه».
(١٨) في النفح : «الله من اعتماده في ...».