وقلب الإنسان للآفات قابل. مشيت يوما إلى سوق الرّقيق ، لأخذ حقّ فؤاد عتيق ، فرأيت بها جارية عسجدية اللون ، حديثة عهد بالصّون ، متمايلة القدّ ، قائمة النّهد ، بلحظ قد أوتي من السّحر أوفر حظّ ، وفم كشرطة رشحت بدم ، داخله سمطان لولا هما ما عرف النّظم ، ولا حكم على الدّر للعظم ، في صدغها لامان ما خطّ شكلهما قلم ، ولا قصّ مثلهما حلم. لها جيد تتمنّاه الغيد ، وخصر هو قبضة الكفّ في الحصر ، وردف يظلمه من يشبه به بالحقف ، ويدان خلقا للوشي ، وقدمان أهلّتا للّثم لا للمشي ، فتطاولت إليه الأعناق ، وبذلت فيها الأعلاق ، والمياسير عليها مغرم في القوم ، وتسوّم أهل السّوم ، وكل فيها يزيد ، ليبلغ ما يريد ، إلى أن جاء فتى صادق في حبّه ، لا يبالي بفساد ماله في صلاح قلبه ، فعدّ المال عدّا ، ولم يجد غيره من التسليم بدّا. فلمّا فاتتني ، تركت الأشواق وأتتني ، وانتقضت عزائم صبري فما أتتني ، فالله الله ، تدارك أخاك سريعا ، قبل أن تلفيه من الوجد صريعا ، واستنزله خادما ، قبل أن تصبح عليه نادما ، ولن أحتاج أن أصفها إليك ، مع ما قصصته عليك ، وقد أهديتها دررا ، فخذها على جهة الفكاهة والدّعابة : [الوافر]
ولا تطلع أخا جهل عليها |
|
فمن لم يدر قدر الشيء عابه |
فأجبته : نعم نعم ، أنعم الله بالك ، وسنى آمالك ، أنا بحول الله أرتاد لك من نحو هاتيك ، ما يسليك ويؤاتيك ، وإلّا فبيضا كاللّجين ، هل القلب والعين ، زهرة غصن في روضة حسن ، ذات ذوائب ، كأنها الليل على نهار ، أو بنفسج في بهار. لها وجه أبهى من الغنا ، وأشهى من نيل المنى ، فيه حاجبان كأنهما قوس صنعت من السّبح ، ورصّعت بعاج من البلح ، على عينين ساحرتين ، بالعقل ساخرتين ، بهما تصاب الكبود ، وتشقّ القلوب قبل الجلود ، إلى فم كأنّه ختام مسك ، على نظام سلك ، سقاه الحسن رحيقه ، فأنبتت درره وعقيقه ، وجيد في الحسن وحيد على صدر كأنه من مرمر ، فيه حقّتا عاج طوّقتا بعنبر ، قد خلقتا للعضّ ، في جسم غضّ ، له خصر مدمج ، وردفه يتموّج ، وأطراف كالعنم ، رقمت رقم القلم ، من اللائي شهدن ابن المؤمّل ، وقال في مثلها الأول ، إن هي تاهت فمثلها تاها ، أو هي باهت فمثلها باها ، من أين للغصن مثل قامتها أو أين للبدر مثل مرآها ، ما فعلت في العقول صابية ما فعلت في العقول عيناها ، تملكني بالهوى وأملكها ، فهأنا عبدها ومولاها ، فأيّهما لست بذلت فيه الجهد ، وأرقيت للمجد والودّ إن شاء الله تعالى. وأنا فيما عرض لسيدي ، حفظه الله ، على ما يحبّ ، أعذره ولا أعذله ، وأنصره ولا أخذله ، لكني أقول كما قال بعض الحكماء : لا ينبغي لمن قلبه رقيق ، أن يدخل سوق الرّقيق ، إلّا أن يكون قد جمع بين المال ، والجمال يتنافس في العالي ،