السلطان. واستمرّت الحال مدة حياة خاله السلطان ، ولمّا صار الأمر إلى مخيفه ولي العهد (١) ، استشرى الداء ، وأعضل الأمر ، وعمّت الفتنة ، وزاحمه السلطان بالمنكّب ؛ انفجم ، واعتوره بالحيلة ، حتى تحيّف أطرافه ، وكان ما هو معلوم من إجازة أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق (٢) البحر إلى الجهاد ، ومال الحال بينه وبين السلطان أمير المسلمين أبي عبد الله بن نصر إلى التّقاطع ، وتصيّرت مالقة إلى الإيالة المغربية ، ثم عادت إلى السلطان.
وفي أخريات هذه الأحوال ، أحكم السلطان مع طاغية الرّوم السّلم ، وصرف وجهه إلى مطالبة الرئيس أبي محمد ، صاحب وادي آش ، فألجأه الحال إلى أن صرف الدعوة بوادي آش إلى السلطان بالمغرب ورفع شعاره ، فأقعد عنه. ووقعت مراسلات أجلت عن انتقال الرئيس أبي محمد إلى المغرب ، معوّضا عن مدينة وادي آش بقصر كتامة (٣) ، وذلك في عام تسعة وثمانين وستمائة.
وفاته : دخلت قصر كتامة يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من ذي قعدة عام خمسة وخمسين وسبعمائة في غرض الرسالة ، وزرت مقبرة الرؤساء بني إشقيلولة بظاهرها ، وفي قبّة ضخمة البناء رحيبة الفناء ، نسيجة وحدها بذلك البلد بين منازل البلى وديار الفناء ، وبها قبر الرئيس أبي محمد هذا ، عن يسار الداخل ، بينه وبين جدار القبلة قبر ، وسنامه رخام مكتوب عليه : [المجتث]
قبر عزيز علينا |
|
لو أنّ من فيه يفدى |
أسكنت قرّة عيني |
|
وقطعة القلب لحدا |
ما زال حكما عليه |
|
وما القضاء تعدّى |
فالصّبر (٤) أحسن ثوب |
|
به العزيز تردّى |
وعند رأس السّنام الرخامي ، مهد مائل من الرخام فيه :
«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، صلّى الله على سيدنا محمد وآله ، وسلّم تسليما. هذا قبر الرئيس الجليل ، الأعلى الهمام ، الأوحد ،
__________________
(١) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، ثاني سلاطين غرناطة ، وقد حكم من سنة ٦٧١ ه إلى سنة ٧٠١ ه. اللمحة البدرية (ص ٥٠).
(٢) هو المنصور يعقوب بن عبد الحق المريني ، سيد بني مرين بالمغرب ، توفي سنة ٦٨٥ ه.
الأعلام (ج ٨ ص ١٩٩) وفيه ثبت بأسماء مصادر ترجمته.
(٣) قصر كتامة : مدينة بالجزيرة الخضراء من أرض الأندلس. معجم البلدان (ج ٤ ص ٣٦٢).
(٤) في الأصل : «فللصبر» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.