فقال (١) : كان جبانا معمد (٢) السيف ، قلقا ، لا يثبت على الظّهر ، عزهاة (٣) لا أرب له في النساء (٤) ، هيّابة ، مفرط الجزع ، يخلد إلى الرّاحات ، ويستوزر الأغمار.
خلعه : قال : (٥) وفي عام ثلاثة وثمانين وأربعمائة ، تحرّك أمير المسلمين ، يوسف بن تاشفين ، لخلع رؤساء الأندلس ، فأجاز البحر ، ويمّم قرطبة ، وتواترت الأنباء عن حفيد باديس صاحب غرناطة ، بما يغيظه ويحقده ، حسبما تقدم في اسم مؤمّل مولى باديس. وقدّم إلى غرناطة أربع محلّات ، فنزلت بمقربة منها ، ولم تمتدّ يد إلى شيء يوجد ، فسرّ الناس واستبشروا ، وأمنت البادية ، وتمايل أهل الحاضرة إلى القوي. وأسرع حفيد باديس في المال ، وألحق السّوقة والحاكّة (٦) ، واستكثر من اللّفيف ، وألحّ بالكتب على أذفونش بما يطمعه. وتحقّق يوسف بن تاشفين استشراف الحضرة إلى مقدمه ، فتحرّك. وفي ليلة الأحد لثلاث عشرة خلت من رجب ، اجتمع إلى حفيد باديس صنائعه ، فخوّفوه من عاقبة التربّص ، وحملوه على الخروج إليه ، فركب وركبت أمّه وتركا القصر على حاله ، ولقي أمير المسلمين على فرسخين من المدينة ، فترجّل ، وسأله العفو ، فعفا عنه ، ووقف عليه ، وأمره بالرّكوب ، فركب ، وأقبل حتى نزل ب «المشايخ» من خارج الحضرة. واضطربت المحلّات ، وأمر مؤمّلا بثقافه في القصر ، فتولّى ذلك ، وخرج الجمّ من أهل المدينة ، فبايعوا أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، فلقيهم ، وأنسهم ، وسكّن جأشهم ، فاطمأنوا. وسهّل مؤمّل إليه دخول الأعيان ، فأمر بكتب الصّكوك ، ورفع أنواع القبالات والخراج ، إلّا زكاة العين ، وصدقة الماشية ، وعشر الزّرع. واستقصي ما كان بالقصر ، فظهر على ما يحول الناظر ، ويروع الخاطر ، من الأعلاق والذّخيرة ، والحلى ، ونفيس الجوهر ، وأحجار الياقوت ، وقصب الزّمرد ، وآنية الذّهب والفضة ، وأطباق البلّور المحكم ، والجرداذنات ، والعراقيّات ، والثّياب الرّفيعة ، والأنماط ، والكلل ، والسّتائر ، وأوطية الدّيباج ، مما كان في ادّخار باديس واكتسابه. وأقبلت دوابّ الظّهر من المنكّب
__________________
(١) قارن بأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٣٥).
(٢) في أعمال الأعلام : «مغتمد».
(٣) عزهاة : عازف عن اللهو والنساء. محيط المحيط (عزه).
(٤) في أعمال الأعلام : «زاهدا في النساء».
(٥) قارن بمذكرات الأمير عبد الله (ص ١٥٤ وما بعدها) وتاريخ الأندلس لابن الكردبوس (ص ١٠٤ ـ ١٠٥).
(٦) الحاكّة : أصحاب الشّرّ. وهذا الجمع لم نلحظه في كتب اللغة ؛ فقد جاء فيها أن «الحكك» جمع «حاكّ» ، وهو صاحب الشرّ.