عبد الله المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل ، فانصرفوا ، ودخل منزله ملقيا بيده ، ومسلّما لقضاء الله سبحانه في كسره ، إلى أن قبض عليه وعلى سائر بنيه وقومه ، عند ارتفاع النهار وانتشار المتغلّبين على القصبة ، فنقفوا متحرّجين من دماء المسلمين ، وصرفوا إلى الأندلس ، في ضحو يوم الخميس الثاني عشر من ذي قعدة عام خمسة وسبعمائة ، بعد انقضاء خمسة عشر يوما من تملّك بلدهم ، فاستقرّ بغرناطة تحت ستر واحترام وجراية فيها كفاف. ثم لما خرجت سبتة عن طاعة أمير المسلمين ، انصرف القوم إلى فاس ، فتوفي بها.
وفاته : في شعبان المكرم من عام ثلاثة عشر وسبعمائة.
عبد الله بن الجبير بن عثمان بن عيسى بن الجبير اليحصبي (١)
من أهل لوشة ، وهو محسوب من الغرناطيين. قال الأستاذ (٢) : من أعيانها ذوي الشرف والجلالة. قلت : ينسب إليه بها معاهد تدلّ على قدم وأصالة.
حاله : قال أبو القاسم الملّاحي (٣) : كان أديبا بارع الأدب ، كاتبا ، بليغا ، شاعرا مطبوعا ، لسنا مفوّها ، عارفا بالنحو والأدب واللغات ، وقد مال في عنفوان شبيبته إلى الجندية لشهامته وعزّة نفسه ، فكان في عسكر المأمون بن عبّاد (٤) ، واشتمل عليه المأمون ، وكان من أظرف الناس ، وأملحهم شبيبة (٥) ، وأحسنهم شارة ، وأتمّهم معرفة.
مشيخته : أخذ (٦) عن أشياخ بلده غرناطة ، وأخذ بمالقة عن غانم الأديب ، وبقرطبة عن ابن سراج.
شعره : وله في إنشاده لدى المأمون مجال رحب ، فمن ذلك قوله (٧) : [البسيط]
يا هاجرين ، أضلّ الله سعيكم |
|
كم تهجرون محبّيكم بلا سبب |
__________________
(١) يكنى عبد الله بن الجبير أبا محمد ، وكانت وفاته في سنة ٥١٨ ه ، وترجمته في بغية الملتمس (ص ٣٤٨) وفيه أنه عبد الله بن عثمان بن الجبير ، والتكملة (ج ٢ ص ٢٥٢) وبغية الوعاة (ص ٢٧٩) والذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٨٩).
(٢) الأستاذ هو ابن الزبير ، وقوله هنا ورد في بغية الوعاة (ص ٢٧٩).
(٣) قارن ببغية الوعاة (ص ٢٧٩).
(٤) هو المأمون بن المعتمد بن عباد ، صاحب إشبيلية في عصر ملوك الطوائف.
(٥) في الأصل : «شيبة» والتصويب من بغية الوعاة.
(٦) قارن بالذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٨٩).
(٧) الأبيات في بغية الوعاة (ص ٢٧٩).