متيقّظا ، متوقّد الذهن ، كريم الخلال ، حميد العشرة ، دمثا ، متواضعا ، حسن الخلق ، محبّبا إلى الناس ، نزيه النفس ، جميل الهيئة ، وقورا ، معظّما عند الخاصة والعامة ، ديّنا ، زاهدا ، ورعا ، فاضلا ، نحويا ماهرا ، ريّان من الأدب ، قائلا الجيّد من الشعر ، مقصدا ومقطعا. وكان له بجامع مالقة الأعظم مجلس عام ، سوى مجلس تدريسه ، يتكلم فيه على الحديث ، إسنادا ومتنا ، بطريقة عجز (١) عنها الكثير من أكابر أهل زمانه. وتصدّر للإقراء ابن عشرين سنة (٢).
من أخباره في العلم والذكاء : قالوا : قرىء (٣) عليه يوما باب الابتداء بالكلم التي يلفظ بها في (٤) إيضاح الفارسي ، وكان أحسن الناس قياما عليه ، فتكلّم على المسألة الواقعة في ذلك الباب ، المتعلقة بعلم العروض ، وكان في الحاضرين من أحسن (٥) صناعته ، فجاذبه الكلام (٦) ، وضايقه في (٧) المباحثة ، حتى أحسّ الأستاذ من نفسه التّقصير ، إذ لم يكن له قبل كبير نظر في العروض ، فكفّ عن الخوض في المسألة ، وانصرف إلى منزله ، وعكف سائر اليوم (٨) على تصفّح علم العروض حتى فهم أغراضه ، وحصّل تواليفه (٩) ، وصنّف فيه مختصرا نبيلا لخّص في صدره ضروبه (١٠) ، وأبدع فيه بنظم مثله ، وجاء به من الغد ، معجزا من رآه أو سمع به ، فبهت الحاضرون وقضوا العجب من اقتداره وذكائه ، ونفوذ فهمه ، وسموّ همّته.
ومن أخباره في الدّين : قال أبو أحمد جعفر بن زعرور العاملي المالقي ، تلميذه الأخصّ به : بتّ معه ليلة في دويرته التي كانت له بجبل فاره (١١) للإقراء والمطالعة ، فقام ساعة كنت فيها يقظانا (١٢) ، وهو ضاحك مسرور ، يشدّ يده كأنّه ظفر بشيء نفيس ، فسألته فقال : رأيت كأن الناس قد حشروا في العرض على الله ، وأتي بالمحدّثين ، وكنت أرى أبا عبد الله النّميري يؤتى به ، فيوقف بين يدي الله تعالى ،
__________________
(١) في الذيل والتكملة : «أعجز».
(٢) في الذيل والتكملة : «سنة أو نحوها».
(٣) النص في الذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٩٦).
(٤) في الذيل والتكملة : «من».
(٥) في الذيل والتكملة : «أحكم صناعة العروض».
(٦) في الذيل والتكملة : «الكلام في المسألة».
(٧) كلمة «في» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من الذيل والتكملة.
(٨) في الذيل والتكملة : «يومه».
(٩) في المصدر السابق : «قوانينه».
(١٠) في المصدر السابق : «فرشه».
(١١) جبل فاره : بالإسبانيةgibralfaro ، يعلو مدينة مالقة. نزهة المشتاق (ص ٥٧٠).
(١٢) الصواب نحويا : «يقظان» ؛ لأنها ممنوعة من الصرف.