حاله : من نبهاء أدباء البادية ، خشن الظاهر ، منطو على لوذعيّة متوارية في مظهر جفوة ، كثير الانطباع عند الخبرة ، قادر على النظم والنثر ، متوسّط الطّبقة فيهما ، مسترفد بالشعر ، سيّال القريحة ، مرهوب الهجاء ، مشهور المكان ببلده ، يعيش من الخدم المخزنيّة ، بين خارص وشاهد ، وجدّ بذلك وقته ، يوسّط رقاعته ، فتنجح الوسيلة ، ويتمشّى له بين الرّضا والسّخط الغرض.
وجرى ذكره في «التاج» بما نصّه (١) : «طويل القوادم والخوافي ، كلف على كبر سنّه بعقائل القوافي ، شاب في الأدب وشبّ ، ونشق ريح البيان لمّا هبّ ، فحاول رفيعه (٢) وجزله ، وأجاد جدّه ، وأحكم هزله. فإن مدح صدح ، وإن وصف أنصف ، وإن عصف قصف ، وإن أنشأ ودوّن ، وتقلّب في أفانين البلاغة وتلوّن ، أفسد ما شاء الله وكوّن ، فهو شيخ الطريقة الأدبيّة وفتاها ، وخطيب حفلها كلّما أتاها ، لا يتوقّف عليه من أغراضها غرض ، ولا يضيع لديه منها مفترض. ولم تزل بروقه تتألّق ، ومعانيه بأذيال الإحسان تتعلّق ، حتى برّز في أبطال الكلام وفرسانه ، وذعرت القلوب لسطوة (٣) لسانه ، وألقت إليه الصّناعة زمامها ، ووقفت عليه أحكامها. وعبر البحر منتجعا بسعره (٤) ، ومنفقا في سوق الكساد من شعره (٥) ، فأبرق وأرعد ، وحذّر وتوعّد (٦) ، وبلغ جهد إمكانه ، في التّعريف بمكانه ، فما حرّك ولا هزّ ، وذلّ في طلب الرّفد وقد عزّ ، وما برح أن رجع إلى وطنه الذي اعتاده ، رجوع الحديث إلى قتاده.
شعره : قال في «التاج» : وقد أثبتّ من نزعاته ، وبعض مخترعاته ، ما يدلّ على سعة باعه ، ونهضة ذراعه. فمن النسيب قوله (٧) : [البسيط]
ما للمحبّ دواء يذهب الألما |
|
عنه سوى لمم فيه ارتشاف لمى |
ولا يردّ عليه نوم مقلته |
|
إلّا الدّنوّ إلى من شفّه سقما |
يا حاكما والهوى فينا يؤيّده |
|
هواك فيّ بما ترضاه قد حكما |
أشغلتني بك شغلا شاغلا فلم (٨) |
|
تناسى ، فديتك ، عنّي بعد ذاك لما؟ |
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٩٢ ـ ٣٩٣).
(٢) في النفح : «رقيقه».
(٣) في النفح : «بسطوة».
(٤) في النفح : «بشعره».
(٥) في النفح : «سعره».
(٦) في النفح : «وأوعد».
(٧) ورد في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٩٣) فقط الأبيات الأول والثاني والثالث.
(٨) في الأصل : «فلما» ، وكذا ينكسر الوزن.