بكر بن منظور. وبغرناطة عن جلّة ؛ منهم شيخنا رئيس الكتاب أبو الحسن ابن الجيّاب ، وقاضي الجماعة أبو القاسم بن أحمد الحسني ، ولازم بالمغرب الرئيس أبا محمد عبد المهيمن الحضرمي ، والقاضي أبا إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى ، وأبا العباس بن يربوع السّبتي. وبتلمسان عن أبي عبد الله الآبلي ، وأبي عبد الله بن النّجار ، وغيرهما. وبتونس عن قاضي الجماعة أبي عبد الله بن عبد السلام ، وعن جماعة غيرهم.
شعره : ونظمه ونثره متجاريان لهذا العهد في ميدان الإجادة. أما شعره ، فمتناسب الوضع ، سهل المأخذ ، ظاهر الرّواء ، محكم الإمرة للتّنقيح. وأما نثره ، فطريف السّجع ، كثير الدّالة ، مطيع لدعوة البديهة ، وربما استعمل الكلام المرسل ، فجرى يراعه في ميدانه ملء عنانه.
وجرى ذكره في «التاج» أيام لم يفهق (١) حوضه ، ولا أزهر روضه ، ولا تباينت سماؤه ولا أرضه ، بما نصه (٢) : أديب أحسن ما شاء ، وفتح قليبه (٣) فملأ الدّلو وبلّ الرّشاء (٤) ، وعانى على حداثته الشعر والإنشاء ، وله ببلده بيت معمور بفضل وأمانة ، ومجد وديانة. ونشأ هذا الفاضل على أتمّ العفاف والصّون ، فما مال إلى فساد بعد الكون. وله خطّ بارع ، وفهم إلى الغوامض مسارع. وقد أثبتّ من كلامه ، ونفثات أقلامه ، كلّ محكم العقود ، زاريا (٥) بنت العنقود. فمن ذلك قصيدة (٦) أنشدها للسلطان أمير المسلمين (٧) ، مهنّئا بهلاك الأسطول الحربي بالزّقاق الغربي (٨) ، أجاد أغراضها ، وسبك المعاني وراضها ، وهي قوله (٩) : [الطويل]
لعلّكما أن ترعيا لي وسائلا |
|
فبالله عوجا بالرّكاب وسائلا |
بأوطان أوطار قفا ومآربي |
|
وبالحبّ خصّا بالسّلام المنازلا |
ألا فانشدا بين القباب من الحمى |
|
فؤاد شج أضحى عن الجسم راحلا |
__________________
(١) فهق حوضه : امتلأ. لسان العرب (فهق).
(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٤١).
(٣) القليب : البئر. لسان العرب (قلب).
(٤) الرّشاء : الحبل. لسان العرب (رشا).
(٥) في النفح : «زار بابنة».
(٦) في النفح : «فمن ذلك قوله» وأورد الشعر مباشرة.
(٧) أمير المسلمين هنا هو السلطان أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل النصري ، وقد حكم غرناطة من سنة ٧٣٣ ه إلى سنة ٧٥٥ ه. راجع اللمحة البدرية (ص ١٠٢).
(٨) المقصود بالزقاق الغربي جبل الفتح ، أو جبل طارق ، الذي نازله ألفونش بن هرانده ، فهلك فيه حتف أنفه عام ٧٥١ ه. اللمحة البدرية (ص ١٠٨).
(٩) ورد في نفح الطيب من هذه القصيدة خمسة أبيات فقط.