المشهور أيضا بخفّة الروح ، وكان مسلّطا على بني سعيد ، فبينما هو واقف ، إذ النخّاس ينادي على فرس : فم يشرب من القادوس ، وعين تحصد بالمنجل ، فقال له : يا قائد ، أبا محمد ، سر بنا من هنا لئلّا تؤخذ من يدي ، ولا أقدر لك بحيلة ، فعلم مقصده ، ولم يخف عليه أنّ تلك صورته ، فقال : سل جارتك عنها ، فمضى لأمّه ، وأوقع بينها وبينه ، فحلف أن لا يدخل عليها الدار. قال أبو عمران بن سعيد : واتفق أن جزت بدار أمّ الحضرمي ، فرأيته إلى ناحية ، وهو كئيب منكسر ، فقلت له : ما خبرك يا أبا يحيى؟ فقال لي عن أمّه وعن نفسه : النساء يرمين أبناء الزّنا صغارا ، وهذه العجوز الفاعلة الصّانعة ، ترميني ابن خمسين سنة ، فقلت له : وما سبب ذلك؟ فقال : ابن عمّك يوسف الجمال ، لا أخذ الله له بيد ، فما زلت حتى أصلحت بينها وبينه.
ومن نوادر أجوبته المسكتة ، أنّه كان كثير الخلطة بمرّاكش لأحد السّادة ، لا يفارقه ، إلى أن ولي ذلك السّيد ، وتموّل ، واشتغل بدنياه عنه ، فقيل له : نرى السيد فلانا أضرب عن صحبتك ومنادمتك ، فقال : كان يحتاج إليّ وقتا كان يتبخّر بي ، وأمّا اليوم ، فإنه يتبخّر بالعود والنّدّ والعنبر. وقال له شخص كان يلقّب ب «فسيوات» في مجلس خاص : أي فائدة في «اليربطول»؟ وفيم ذا يحتاج إليه؟ فقال له : لا تقل هذا ، فإنه يقطع رائحة الفسا ، فودّ أنه لم ينطق. وتكلّم شخص من المترفين فقال : أمس بعنا الباذنجان التي بدار خالتي ، بعشرين مثقالا ، فقال : لو بعتم الكريز التي فيها لساوى أكثر من مائة.
وأخباره شهيرة ؛ قال أبو الحسن علي بن موسى : وقعت في رسائل الكاتب الجليل ، شيخ الكتاب أبي زيد الفازازي ، على رسائل في حق أبي محمد اليربطول ، ومنه إليه ، فمنها في رسالة عن السّيد أبي العلاء ، صاحب قرطبة ، إلى أخيه أبي موسى صاحب مالقة ، ويصلكم به إن شاء الله ، القائد الأجلّ الأكرم ، الحسيب الأمجد الأنجد ، أبو محمد أدام الله كرامته ، وكتب سلامته ، وهو الأكيد الحرمة ، القديم الخدمة ، المرعي الماتّة والذّمّة ، المستحق البرّ في وجوه كثيرة ، ولمعان أثيرة ، منها أنه من عقب عمّار بن ياسر ، رضوان الله عليه ، وحسبكم هذا مجدا مؤثّلا ، وشرفا موصلا ، ومنها تعيّن بيته وسلفه ، واختصاصهم من النّجابة والظهور ، بأنوه الاسم وأشرفه ، وكونهم بين معتكف على مضجعه ، أو مجاهد بمرهفه ومثقّفه ، ومنها سبقهم إلى هذا الأمر العزيز ، وتميّزهم بأثرة الشّفوف والتّمييز ، ومنها الانقطاع إلى أخيكم ، ممدّ مورده ومصدره ، وكرم مغيبه ومحضره ، وهذه وسائل شتى ، وأذمّة قلّ ما تتأتّى لغيره.