وقصد قرطبة في خبر يطول ، وحروب مبيرة ، وهزم يوسف الفهري ، واستولى على قرطبة ، فبويع له بها يوم عيد الأضحى من سنة ثمان وثلاثين ومائة ، وهو ابن خمس وعشرين سنة.
دخوله إلبيرة : قالوا : ولمّا انهزم الأمير يوسف بن عبد الرحمن الفهري ، لحق بإلبيرة ، فامتنع بحصن غرناطة ، وحاصره الأمير عبد الرحمن بن معاوية ، وأحاط به ، فنزل على صلح ، وانعقد بينهما عقد ، ورهنه يوسف ابنيه ؛ أبا زيد وأبا الأسود ، وشهد في الأمان وجوه العسكر ، منهم أمية بن حمزة الفهري ، وحبيب بن عبد الملك المرواني ، ومالك بن عبد الله القرشي ، ويحيى بن يحيى اليحصبي ، ورزق بن النّعمان الغسّالي ، وجدار بن سلامة المذحجي ، وعمر بن عبد الحميد العبدري ، وثعلبة بن عبيد الجذامي ، والحريش بن حوار السلمي ، وعتّاب بن علقمة اللخمي ، وطالوت بن عمر اليحصبي ، والجرّاح بن حبيب الأسدي ، وموسى بن خالد ، والحصين بن العقيلي ، وعبد الرحمن بن منعم الكلبي ، إلى آخرين سواهم ، بتاريخ يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة تسع وثلاثين ومائة. نقلت أسماء من شهد ، لكونهم ممن دخل البلدة ، ووجب ذكره ، فاجتزأت بذلك ، فرارا من الإطالة ، إذ هذا الأمر بعيد الأمد ، والإحاطة لله.
بلاغته ونثره وشعره : قال الرّازي : قام بين يديه رجل من جند قنّسرين ، يستنجد به ، وقال له : يا ابن الخلائف الراشدين والسّادات الأكرمين ، إليك فررنا ، وبك عذت من زمن ظلوم ، ودهر غشوم قلّل المال ، وذهب الحال ، وصيّر إليّ بذاك المنال ، فأنت وليّ الحمد ، وربى المجد ، والمرجو للرّفد. فقال له ابن معاوية مسرعا : قد سمعنا مقالتك ، فلا تعودنّ ولا سواك لمثله ، من إراقة وجهك ، بتصريح المسألة ، والإلحاف في الطّلبة ، وإذا ألمّ بك خطب أو دهاك أمر ، أو أحرقتك حاجة فارفعه إلينا في رقعة لا تعدو ذكيا ، تستر عليك خلّتك ، وتكفّ شماتة العدوّ بك ، بعد رفعها إلى مالكنا ومالكها عن وجهه ، بإخلاص الدّعاء ، وحسن النية. وأمر له بجائزة حسنة. وخرج الناس يعجبون من حسن منطقه ، وبراعة أدبه.
ومن شعره : قوله ، وقد نظر إلى نخلة بمنية الرّصافة ، مفردة ، هاجت شجنه إلى تذكر بلاد المشرق (١) : [الطويل]
تبدّت لنا وسط الرّصافة نخلة |
|
تناءت بأرض الغرب عن بلد النّخل |
__________________
(١) الأبيات في الحلة السيراء (ج ١ ص ٣٧) والبيان المغرب (ج ٢ ص ٦٠) ونفح الطيب (ج ٤ ص ٤٦).