عبد الرحيم بن إبراهيم بن عبد الرحيم الخزرجي (١)
يكنى أبا القاسم ، ويعرف بابن الفرس ، ويلقّب بالمهر ، من أعيان غرناطة.
حاله : كان (٢) فقيها جليل القدر ، رفيع الذّكر ، عارفا بالنحو واللغة والأدب ، ماهر (٣) الكتابة ، رائق الشعر ، بديع التّوشيح ، سريع البديهة ، جاريا على أخلاق الملوك في مركبه وملبسه وزيّه. قال ابن مسعدة (٤) : وطىء من درجات العزّ والمجد أعلاها ، وفرع من الأصالة منتماها. ثم علت همّته إلى طلب الرّئاسة والملك ، فارتحل إلى بلاد العدوة ، ودعا إلى نفسه ، فأجابه إلى ذلك الخلق الكثير ، والجمّ الغفير ، ودعوه باسم الخليفة ، وحيّوه بتحيّة الملك. ثم خانته الأقدار ، والدهر بالإنسان غدّار ، فأحاطت به جيوش الناصر (٥) بن المنصور ، وهو في جيش عظيم من البربر ، فقطع رأسه ، وهزم جيشه ، وسيق إلى باب الخليفة ، فعلّق على باب مرّاكش ، في شبكة حديد ، وبقي به مدة من عشرين سنة (٦).
قال أبو جعفر بن الزبير : كان أحد نبهاء وقته لو لا حدّة كانت فيه أدّت به إلى ما حدّثني به بعض شيوخي من صحبه. قال : خرجنا معه يوما على باب من أبواب مراكش برسم الفرجة ، فلمّا كان عند الرجوع نظرنا إلى رؤوس معلّقة ، وتعوّذنا بالله من الشّرّ وأهله ، وسألناه سبحانه العافية. قال : فأخذ يتعجب منّا ، وقال : هذا خور طريقة وخساسة همّة ، والله ما الشرف والهمّة إلّا في تلك ، يعني في طلب الملك ، وإن أدّى الاجتهاد فيه إلى الموت دونه على تلك الصّفة. قال : فما برحت الليالي والأيام ، حتى شرع في ذلك ، ورام الثورة ، وسيق رأسه إلى مراكش ، فعلق في جملة تلك الرءوس ، وكتب عليه ، أو قيل
__________________
(١) ترجمة عبد الرحيم الخزرجي في التكملة (ج ٣ ص ٦٠) والحلة السيراء (ج ٢ ص ٢٧٠) والمغرب (ج ٢ ص ١١١ ، ١٢٢) وكتاب العبر (م ٦ ص ٥٢٢) وبغية الوعاة (ص ٣٠٥).
(٢) قارن ببغية الوعاة (ص ٣٠٥).
(٣) في البغية : «باهر».
(٤) ابن مسعدة : هو أحد شيوخ عبد الرحيم الخزرجي ، وقد أخذ عنه النحو. بغية الوعاة (ص ٣٠٥).
(٥) هو الخليفة الموحدي محمد بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ، وقد حكم المغرب والأندلس من سنة ٥٩٥ ه إلى سنة ٦١٠ ه. البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٢٣٦).
(٦) جاء في بغية الوعاة أن رأسه قطع وعلّق على باب مراكش في سنة إحدى وستمائة ، وهو ابن ست وثلاثين سنة. وجاء في التكملة والحلة السيراء أنه قتل في نحو الستمائة.