لله (١) باليقظة والوسن ، محكما في نسك الجنيد أو فتك الحسن ، ممتعا بظرف المعارف ، مالئا أكفّ الصّيارف ، ماحيا بأنوار البراهين شبه الزّخارف ـ لما اخترت الشّباب وإن شاقني (٢) زمنه ، وأعياني ثمنه ، وأجرت سحاب (٣) دمعي دمنه. فالحمد لله الذي رقى (٤) جنون اغترابي ، وملّكني أزمة آرابي ، وغبّطني بمائي وترابي ، [ومألف أترابي ،](٥) وقد أغصّني بلذيذ شرابي ، ووقّع على سطوره المعتبرة إضرابي ، وعجّلت هذه مغبّطة بمناخ المطيّة (٦) ، ومنتهى الطّيّة ، وملتقى السّعود (٧) غير البطيّة ، وتهنّي الآمال الوثيرة الوطيّة ، فما شئت من نفوس عاطشة إلى ريّك ، متجمّلة بزيّك ، عاقلة خطى مهريّك ، ومولى مكارمه نشيدة أمثالك ، ومظانّ (٨) مثالك ، وسيصدق الخبر ما هنالك ، ويسع (٩) فضل مجدك في (١٠) التخلّف عن الإصحار (١١) ، لا بل اللقاء من وراء البحار ، والسّلام.
ولما (١٢) استقرّ بالحضرة ، جرت بيني وبينه مكاتبات أقطعها الظّرف جانبه ، وأوضح الأدب فيها (١٣) مذاهبه. فمن ذلك ما خاطبته به ، وقد تسرّى جارية روميّة اسمها هند صبيحة الابتناء بها : [السريع]
أوصيك بالشيخ أبي بكره |
|
لا تأمنن في حالة مكره |
واجتنب الشّكّ إذا جئته |
|
جنّبك الرحمن ما تكره |
سيدي ، لا زلت تتّصف بالوالج ، بين الخلاخل والدّمالج (١٤) ، وتركض فوقها ركض الهمالج (١٥) أخبرني كيف كانت الحال ، وهل حطّت بالقاع من خير البقاع الرّحال ، وأحكم بمرود (١٦) المراودة الاكتحال ، وارتفع بالسّقيا الإمحال ، وصحّ
__________________
(١) قوله : «والحمد لله» ساقط في الريحانة.
(٢) في النفح : «راقني».
(٣) في النفح : «سحائب».
(٤) في الريحانة : «وقى».
(٥) ما بين قوسين ساقط في الريحانة.
(٦) في الريحانة : «الطّية».
(٧) في الأصل : «للسعود» والتصويب من المصادر.
(٨) في الريحانة : «ومطابق».
(٩) في الريحانة : «ويسمعني».
(١٠) في الريحانة : «عن».
(١١) الإصحار : الخروج إلى الصحراء. محيط المحيط (صحر).
(١٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٩ ـ ٣١٥).
(١٣) كلمة «فيها» غير واردة في النفح.
(١٤) الخلاخل : جمع خلخال وهو حلية تلبسها المرأة في ساقها. والدمالج : جمع دملج وهي حلية تلبسها المرأة في ساعدها. وأراد هنا : بين الأيدي والأرجل. لسان العرب (خلخل) و (دملج).
(١٥) الهمالج : جمع هملاج وهو الدابّة الحسنة السّير والسريعة. لسان العرب (هملج).
(١٦) المرود : الميل يكتحل به. محيط المحيط (رود).