الدّيوان بألمريّة ، ورأى خلال ذلك ، في نومه ، شخصا يوقظه ، ويقول له : قم يا صاحب ربع الدّنيا ، وقصّ رؤياه على صاحب له بمثواه ، فبشّره ، فطلب من ذلك الحين السّموّ بنفسه ، فأجاز البحر ، وتعلّق بحاشية الحرّة العليا زينب (١) ، فاستكتبته ، فلمّا توفّيت الحرّة ، أقرّه أمير المسلمين كاتبا ، فنال ما شاء مما ترتمي إليه الهمم جاها ومالا وشهرة. وكان رجلا حصيفا ، سكونا ، عاقلا ، مجدي الجاه ، حسن الوساطة ، شهير المكانة.
وفاته : توفي فجأة بمدينة سبتة ، في عام سبعة وثمانين وأربعمائة. وتقلّد الكتابة بعده أبو بكر بن القصيرة. ذكره ابن الصّيرفي.
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مالك المعافري (٢)
وتكرر مالك في نسبه.
أوليته : قالوا : من ولد عقبة بن نعيم الداخل إلى الأندلس ، من جند دمشق ، نزيل قرية شكنب من إقليم تاجرة الجمل من عمل بلدنا لوشة ، غرناطي ، يكنى أبا محمد.
حاله : كان (٣) أبو محمد هذا أحد وزراء الأندلس ، كثير الصّنائع ، جزل المواهب ، عظيم المكارم ، على سنن عظماء الملوك ، وأخلاق السادة الكرام (٤). لم ير بعده مثله في رجال (٥) الأندلس ، ذاكرا للفقه والحديث ، بارعا في الأدب (٦) ، شاعرا مجيدا وكاتبا بليغا ، حلو الكتابة والشعر ، هشّا مع وقار ، ليّنا على مضاء ، عالي الهمّة ، كثير الخدم والأهل (٧).
من آثاره الماثلة إلى اليوم الحمّام ، بجوفيّ الجامع الأعظم من غرناطة. بدأ بناءه (٨) أول يوم من جمادى الأولى سنة تسع وخمسمائة. وشرع في الزّيادة في سقف
__________________
(١) هي زينب النفزاوية التي كانت مضرب المثل في الجمال ؛ تزوجت أبا بكر بن عمر ، ابن عم يوسف بن تاشفين المرابطي ، في سنة ٤٦٠ ه ، ثم طلقها فتزوجها يوسف بن تاشفين فأنجبت له ولده الفضل ، وكانت أحب ما لديه امرأة غالبة عليه. البيان المغرب (ج ٤ ص ١٨ ، ٣٠).
(٢) ترجمة عبد الرحمن بن محمد المعافري في التكملة (ج ٣ ص ١٨) وقلائد العقيان (ص ١٦٩) ونفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٣).
(٣) قارن بنفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٥).
(٤) كلمة «الكرام» ساقطة في النفح.
(٥) في الأصل : «حال» والتصويب من النفح.
(٦) في النفح : «الآداب».
(٧) في الأصل : «الخادم والأمل» والتصويب من النفح.
(٨) في الأصل : «بناه».