نثره : قال أبو نصر (١) : كتبت إليه مودّعا ، فكتب (٢) إليّ مستدعيا ، وأخبرني رسوله (٣) أنه لما قرأ الكتاب وضعه ، وما سوّى ولا فكّر ولا روى :
يا سيدي ، جرت الأيام (٤) بجمع افتراقك ، وكان الله جارك في انطلاقك (٥) ، فغيرك روّع بالظّعن ، وأوقد للوداع جاحم (٦) الشّجن ، فأنت (٧) من أبناء هذا الزمن ، خليفة الخضر لا يستقرّ (٨) على وطن ، كأنّك والله يختار لك ما تأتيه وما تدعه ، موكّل بفضاء الأرض تذرعه (٩) ، فحسب من نوى بعشرتك الاستمتاع ، أن يعدّك (١٠) من العواري السّريعة الارتجاع (١١) ، فلا يأسف على قلّة الثّوا (١٢) ، وينشد : [الطويل]
وفارقت حتى ما أبالي من النّوى
وفاته : اعتلّ (١٣) بإشبيلية فانتقل إلى غرناطة ، فزادت علّته بها ، وتوفي ، رحمه الله ، بها في غرّة شعبان سنة ثماني (١٤) عشرة وخمسمائة ، ودفن إثر صلاة الظهر من يوم الجمعة المذكورة بمقبرة باب إلبيرة ، وحضر جنازته الخاصة والعامة.
من رثاه : رثاه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال ، رحمه الله ، فقال : [الكامل]
إن كنت تشفق من نزوح نواه |
|
فهناك مقبرة وذا مثواه |
قسّم زمانك عبرة أو عبرة |
|
وأحل تشوّقه على ذكراه |
__________________
(١) قلائد العقيان (ص ١٧٠) ونفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٥).
(٢) في القلائد : «فجاوبني جوابا مستبدعا».
(٣) في القلائد : «رسولي».
(٤) في القلائد : «الأقدار».
(٥) هذا من قول البحتري وهو بحلب ، قاله لأبي جعفر بن سهل المروزي ولم يودّعه : [مخلع البسيط]
الله جارك في انطلاقك |
|
تلقاء شامك أو عراقك |
ديوان البحتري (ج ٢ ص ١٢).
(٦) في الأصل : «جامح» والتصويب من المصدرين.
(٧) في المصدرين : «فإنك».
(٨) في القلائد : «لا تستقرّ».
(٩) قوله : «موكّل بفضاء الأرض تذرعه» عجز بيت لابن زريق البغدادي ، وصدره هو : [البسيط]
كأنما هو في حلّ ومرتحل
(١٠) في القلائد : «يعتدّك».
(١١) في القلائد : «الاسترجاع».
(١٢) الثوا : أصل القول : الثواء ، بالهمز. والثواء : الإقامة.
(١٣) قارن بنفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٥).
(١٤) في الأصل : «ثمان» وهو خطأ نحوي.