عبد الحليم بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق
ابن محيو
يكنى أبا محمد ، أوّليته معروفة.
وفسد ما بين أبيه وبين جدّه ، أمير المسلمين ، بما أوجب انتباذه إلى سكنى مدينة سجلماسة ، معزّزة له ألقاب السلطان بها ، مدوّخا ما بأحوازها من أماكن الرئاسة ، منسوبة إليه بها الآثار ، كالسّدّ الكبير الشهير ، وقصور الملك. فلمّا نزل عنها على حكم أخيه أمير المسلمين أبي الحسن ، وأمضى قتلته بالفصاد ، نشأ ولده ، وهم عدّة بباب عمّهم ، يسعهم رفده ، ويقودهم ولده ، ثم جلاهم إلى الأندلس ابنه السلطان أبو عنان ، عندما تصيّر الأمر إليه ، فاستقرّوا بغرناطة تحت برّ وجراية ، قلقا بمكانهم من جلاهم ومن بعده ، لإشارة عيون التّرشيح إليهم ، مغازلة من كثب ، وقعودهم بحيث تعثر فيهم المظنّة ، إلى أن كان من أمرهم ما هو معروف.
حاله : هذا الرجل من أهل الخير والعفاف والصّيانة ودمث الخلق وحسن المداراة ، يألف أهل الفضل ، خاطب للرّتبة بكل جهد وحيلة ، وسدّ عنه باب الأطماع. حذّر من كان له الأمر بالأندلس من لدن وصوله ؛ كي لا تختلف أحوال هذا الوطن في صرف وجوه أهله إلى غزو عدو الملّة ، ومحوّلي القبلة ، وإعراضهم عن الإغماض في الفتنة المسلمة ، وربما يميت عنهم الحركات والهموم ، فثقّفوا من فيها عليهم ، إلى أن تبرأ ساحتهم ويظن به السكون. فلمّا دالت الدولة ، وكانت للأخابث الكرّة ، واستقرّت بيد الرئيس الغادر الكرّة ، وكان ما تقدّم الإلماع به من عمل السلطان أبي سالم ، ملك المغرب ، على إجازة السلطان ، وليّ ملك الأندلس ، المزعج عنها بعلّة البغي ، ذهب الدّايل الأخرق إلى المقارضة ، فعندما استقرّ السلطان أبو عبد الله بجبل الفتح ، حاول إجازة الأمير عبد الحليم إلى تلمسان بعد مفاوضة ، فكان ذلك في أخريات ذي قعدة ، وقد قضي الأمر في السلطان أبي سالم ، وانحلّت العقدة ، وانتكثت المريرة ، وولّى الناس الرجل المعتوه ، وفد إلى تلمسان من لم يرض محلّه من الإدالة ، ولا قويت نفسه على العوض ، ولا صابرت غضّ المخافة ، وحرّك ذلك من عزمه ، وقد أنجده السلطان مستدعيه بما في طوقه. ولما اتصل خبره بالقائم بالأمر بفاس ، ومعمل التدبير على سلطانه ، أعمل النظر فيهم ؛ زعموا بتسليم الأمر ، ثم حذّر من لحق به من أضداده ، فصمّم على الحصار ، واستراب بالقبيل المريني ، وأكثف الحجاب دونهم بما يحرّك أنفتهم ، فنفروا عنه بواحدة أول عام ثلاثة وستين وسبعمائة ، واتفق رأيهم على الأمير عبد الحليم ، فتوجّهت إليه