وجوههم اتّفاقا ، وانثالوا عليه اضطرارا ، ونازل البلد الجديد ، دار الملك من مدينة فاس ، يوم السبت السادس لشهر المحرم من العام. واضطربت المحلّات بظاهره ، وخرج إليه أهل المدينة القدمى ، فأخذ بيعتهم ، وخاطب الجهات ، فألقت إليه قواعدها باليد ، ووصلت إليه مخاطباتها.
ومن ذلك ما خوطب به من مدينة سلا ، وأنا يومئذ بها : [الخفيف]
يا إمام الهدى ، وأيّ إمام |
|
أوضح الحقّ بعد إخفاء رسمه |
أنت عبد الحليم حلمك نرجو |
|
فالمسمّى له نصيب من اسمه |
وسلك مسلكا حسنا في الناس ، وفسح الآمال ، وأجمل اللقاء ، وتحمّل الجفاء ، واستفزّ الخاصة بجميل التأتّي وأخذ العفو ، والتّظاهر بإقامة رسوم الدّيانة ، وحارب البلد المحصور في يوم السبت الثالث عشر لشهر الله المحرم المذكور ، كانت الملاقاة التي برز فيها وزير الملك ومدير رحاه بمن اشتملت عليه البلدة من الرّوم والجند الرّحل ، واستكثر من آلات الظهور وعدد التّهويل ، فكانت بين الفريقين حرب مرّة تولّى كبرها النّاشبة ، فأرسلت على القوم حواصب النّبل ، غارت لها الخيل ، واقشعرّت الوجوه ، وتقهقرت المواكب. وعندها برز السلطان المعتوه ، مصاحبة له نسمة الإقدام ، وتهوّر الشجاعة عند مفارقة الخلال الصّحيّة ، وتوالت الشدات ، وتكالبت الطّائفة المحصورة ، فتمرّست بأختها ، ووقعت الهزيمة ضحوة اليوم المذكور على قبيل بني مرين ومن لفّ لفّهم ، فصرفوا الوجوه إلى مدينة تازي ، واستقرّ بها سلطانهم ، ودخلت مكناسة في أمرهم ، وضاق ذرع فاس للملك بهم ، إلى أن وصل الأمير المستدعى ، طيّة الصبر ، وأجدى دفع الدّين ، ودخل البلد في يوم الاثنين الثاني والعشرين لصفر من العام. وكان اللقاء بين جيش السلطان ، لنظر الوزير ، مطعم الإمهال ومعوّد الصّنع. وبين جيش بني مرين ، لنظر الأخ عبد المؤمن ابن السلطان أبي علي ، فرحل القوم من مكناسة ، وفرّ عنهم الكثير من الأولياء ، وأخلوا العرصة ، واستقرّوا أخيرا ببلد أبيهم سجلماسة ، فكانت بين القوم مهادنة. وعلى أثرها تعصّب للأخ عبد المؤمن معظم عرب الجهة ، وقد برز إليهم في شأن استخلاص الجبابة ، فرجعوا به إلى سجلماسة. وخرج لمدافعتهم الأمير عبد الحليم ، بمن معه من أشياخ قبيله والعرب أولى مظاهر ، فكانت بينهم حرب أجلت عن هزيمة الأمير عبد الحليم ، واستلحم للسّيف جملة من المشاهير ، كالشيخ الخاطب في حبله ، خدن النّكر وقادح زند الفتنة ، الدّاين بالحمل على الدول على التفصيل والجملة ، المعتمد بالمغرب بالرأي والمشورة ، يحيى بن رحّو بن مسطى وغيره. وأذعن عبد الحليم بعدها للخلع ، وخرج عن الأمر لأخيه ، وأبقي عليه ، وتحرّج من