باختياري ، مستظهرة منه ببطل كفاية ، وباذل حمل كلفة ، فانتقل (١) رئيسا في غرض إعانتي وانتشالي من الكلفة (٢) ، على الضّعف وإلمام المرض ، والتّرفّع عن الابتذال ، والأنفة من الاستخدام ، فرفع الكلّ ، ولطف من الدولة محلّه. ثم لمّا حال الأمر ، وحتم التّمحيص ، وتسوّرت القلعة ، وانتثر النّظم ، واستأثر به الاصطناع ، كشفت الخبرة منه عن سوءة لا توارى ، وعورة لا يرتاب في أشنوعتها ولا يتمارى ، فسبحان من علّم النفس فجورها وتقواها ، إذ لصق بالدّائل (٣) الفاسق ، فكان آلة انتقامه ، وجارحة صيده ، وأحبولة كيده ، فسفك الدّماء ، وهتك الأستار ، ومزّق الأسباب ، وبدّل الأرض غير الأرض ، وهو يزقّه في أذنه ، فيؤمّ (٤) النّصيحة ، وينحله (٥) لقب الهداية ، ويبلغ في شدّ أزره إلى الغاية : «عنوان عقل الفتى اختياره ، يجري في جميل (٦) دعوته» ، طوالا ، أخرق ، يسيء السمع ، وينسى (٧) الإجابة ، بدويّا ، قحّا ، جهوريّا ، ذاهلا عن عواقب الدنيا والآخرة ، طرفا في سوء العهد ، وقلّة الوفاء ، مردودا في الحافزة (٨) ، منسلخا من آية السّعادة ، تشهد عليه بالجهل (٩) يده ، ويقيم عليه الحجج شرهه ، وتبوّئه (١٠) هفوات الندم جهالته. ثم أسلم المحروم مصطنعه ، أحوج ما كان إليه ، وتبرّأ منه ، ولحقته بعده مطالبة ماليّة ، لقي لأجلها ضغطا. وهو الآن بحال خزي ، واحتقاب تبعات ، خلّصنا الله من ورطات الدّنيا والآخرة.
أوليته وشيوخه : وبسط كثير من مجمل حاله حسبما نقلت من خطه.
قال يخاطبني بما نصّه (١١) : [البسيط]
يا سيّدا ، فاق في مجد وفي شرف |
|
وفات سبقا بفضل الذات والسّلف |
وفاضلا عن سبيل الذّمّ منحرفا |
|
وعن سبيل المعالي غير منحرف |
__________________
(١) في النفح : «فاستقلّ».
(٢) في النفح : «من هفوة الكلفة على جلل الضعف ...».
(٣) في النفح : «بالداهي». والداهي : الفاسق ، والمراد به سلطان بني نصر ، الذي هرب منه لسان الدين ابن الخطيب إلى المغرب.
(٤) في النفح : «زقوم النصيحة». والزّقوم : شجرة في جهنم ، منها طعام أهل النار.
(٥) في النفح : «ويستحله».
(٦) في النفح : «سبيل».
(٧) في النفح : «فيسيء».
(٨) في النفح : «الحافرة» بالراء المهملة.
(٩) في الأصل : «بالحمل» والتصويب من النفح.
(١٠) في النفح : «وتبوه» والتصويب من النفح.
(١١) القصيدة في نفح الطيب (ج ١٠ ص ١٣٨ ـ ١٣٩).