موقف حشمة وحياء ، فما مثلي فيما أعرضه عليك ، أو أقدّمه من هذا الهذر بين يديك ، إلّا مثل من أهدى الخرز لجالب الدّرّ ، أو عارض للوشل موج البحر ، أو كاثر بالحصى عدد الأنجم الزّهر ، على أني لو نظمت الشّعرى شعرا ، وجئتك بالسّحر الحلال نظما ونثرا ، ونافحتك بمثل تلك الرّوضة الأدبية التي تعبق أزاهرها نثرا ، لما وصفتك ببعض البعض من نفائس حلاك ، ولا وفّيت ما يجب من نشر مآثر علاك. فما عسى أن أقول في تلك المآثر العلمية ، والذّات الموسومة باسم التعريف والعلميّة ، أو أعبّر عنه في وصف تلك المحاسن الأدبية ، والمفاخر الحسبيّة. إن وصفت ما لك من شرف الذات ، ملت إلى الاختصار وقلت : آية من الآيات ، وإن ذهبت إلى ذكر مفاخرك الباهرة الآيات ، بلغت في مدى الفخر والحسب إلى أبعد الغايات ، وإن حلّيتك ببعض الحلى والصّفات ، سلبت محاسن الرّوض الأريج النّفحات. فكم لك من التّصانيف الرائقة ، والبدائع الفائقة ، والآداب البارعة ، والمحاسن الجامعة. فما شئت من حدائق ذات بهجة كأنما جادتها سحب نيسان ، وجنّات ثمراتها صنوان وغير صنوان ، تزري ببدائع بديع الزّمان ، وتخجل الروض كما يخجل الورد ابتسام الأقحوان. نظم كما انتثر الدّرّ ، ونثر تتمنّى الجوزاء أن تتقلّده والأنجم الزّهر ، ومعان أرقّ منّ نسيم الأسحار ، تهبّ على صفحات الأزهار. فأهلا بك يا روضة الآداب ، وربّ البلاغة التي شمس آياتها لا تتوارى بالحجاب ، فما أنت إلّا حسنة الزّمان ، ومالك أزمّة البيان ، وسبّاق غايات الحسن والإحسان. وقد وجدت مكان القول ذا سعة في أوصافك ، وما في تحلّيك بالفضائل واتّصافك. لكنّي رأيت أني لو مددت في ذلك باع الإطناب ، وأتيت فيه بالعجب العجاب ، فليس لي إلّا تقصير عن المطاولة وإمساك ، والعجز عن درك الإدراك إدراك. إيه أيها السّيّد الأعلى ، والفاضل الذي له في قداح الفخر القدح المعلّى ، فإنك أمرت أن أعرض عليك لتعريف بنفسي ومولدي ، وذكر أشياخي الذين بأنوارهم أقتدي ، فعلمت أن هذا إنما هو تهمّم منك بشاني ، وجري على معتاد الفضل الذي يقصر عنه لساني ، وفضل جميل لا أزال أجري في الثناء عليه ملء عناني. وإلّا فمن أنا في الناس حتى أنسب ، أو من يذهب إلّا أنت هذا المذهب؟
أما التّعريف بنفسي ، فأبدأ فيه باسم أبي : هو أبو القاسم محمد بن عطية بن يحيى بن عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي. وجدّي عطية هو الدّاخل إلى الأندلس عام الفتح ، نزل بإلبيرة ، وبها تفرّع من تفرّع من عقبه ، إلى أن انتقلوا إلى غرناطة ، فتأثّل بها حالهم ، واستمرّ بها