والعناء (١) ، ومواقف الحرب ، فإنه دهم في المثل ، أشبه امرءا يعض برّه ، فقد كان أليق الناس بصحبة الميورقي ، وأنسبهم إلى خدمته.
مشيخته : روى عن أبي زيد بن السّهيلي (٢).
بعض أخباره في البأو والصّرامة : حدّثنا شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب عمن حدّثه من أشياخه ، قال (٣) : وجّهه الميورقي في عشيّة يوم من أيام حروبه إلى المأزق ، وقد طال العراك ، وكاد يكلّ الناس عن الحرب ، إلى أن يباكروها من الغد ، فنفذ لما أمر به. ولما بلغ الصّدر اشتدّ على الناس ، وذعر (٤) أرباب الحفيظة ، وأنهى إليهم العزم من أميرهم في الحملة ، فانهزم عدوّهم شرّ هزيمة ، ولم يعد أبو محمد إلّا في آخر الليل بالأسلاب والغنيمة ، وقال له : ما حملك على ما صنعت؟ فقال له : الذي عملت هو شأني ، وإذا أردت من يصرف الناس عن الحرب ويذهب ريحهم ، فانظر غيري.
وحدّثني (٥) كذلك أنّ ولدا له صغيرا تشاجر مع ترب له من أولاد أميره أبي زكريا ، فنال منه ولد الأمير ، وقال : وما قدر أبيك؟ ولمّا بلغ ذلك أباه خرج مغضبا لحينه ، ولقي ولد الأمير المخاطب لولده ، فقال : حفظك الله! لست أشكّ في أنّي خديم أبيك ، ولكني أحبّ أن أعرّفك بمقداري (٦) ومقداره ، اعلم إنّ أباك وجّهني رسولا إلى الخليفة (٧) ببغداد بكتاب عن نفسه ، فلمّا بلغت بغداد نزلت (٨) في دار اكتريت لي بسبعة دراهم في الشهر ، وأجري عليّ سبعة دراهم في اليوم ، وطولع بكتابي ، وقيل : من الميورقي الذي وجّهه؟ فقال بعض الحاضرين : هو رجل مغربي ثائر على أستاذه. وأقمت شهرا ، ثم استدعيت إلى الانصراف ، ولمّا دخلت دار الخلافة وتكلّمت مع من بها من الفضلاء ، أرباب (٩) المعارف والآداب ، اعتذروا لي ، وقالوا للخليفة : هذا رجل جهل مقداره ، فأعدت إلى محلّ اكتري (١٠) لي بسبعين درهما ، وأجري عليّ مثلها في اليوم ، ثم استدعيت ، فودعت الخليفة ، واقتضيت ما تيسّر من جوابه (١١) ، وصدر لي شيء له حظّ (١٢) من صلته. وانصرفت إلى أبيك.
__________________
(١) في النفح : «والغناء في مواقف ...».
(٢) في التكملة (ج ٣ ص ١٤٣) والمقتضب (ص ١٦٨) «روى عن أبي القاسم السهيلي».
(٣) قارن بنفح الطيب (ج ٣ ص ٣٥٦).
(٤) في النفح : «وذمّر».
(٥) قارن بنفح الطيب (ج ٣ ص ٣٥٧).
(٦) في النفح : «بنفسي ومقداري ومقدار أبيك».
(٧) في النفح : «إلى دار الخلافة».
(٨) في النفح : «أنزلت».
(٩) في النفح : «وأرباب».
(١٠) في الأصل : «اكتريت» والتصويب من النفح.
(١١) في النفح : «حوائجه».
(١٢) في الأصل : «خطر» والتصويب من النفح.