محمد بن أحمد الرّقوطي (١) المرسي
يكنى أبا بكر.
حاله : كان طرفا في المعرفة بالفنون القديمة ؛ المنطق والهندسة والعدد والموسيقا والطّب ، فيلسوفا ، طبيبا ماهرا ، آية الله في المعرفة بالألسن ، يقرئ الأمم بألسنتهم فنونهم التي يرغبون في تعلمها ، شديد البأو ، مترفّعا ، متعاطيا. عرف طاغية الروم حقّه ، لما تغلّب على مرسية ، فبنى له مدرسة يقرئ فيها المسلمين والنصارى واليهود ، ولم يزل معظما عنده. ومما يحكى من ملحه معه ، أنه قال له يوما ، وقد أدنى منزلته ، وأشاد بفضله : لو تنصّرت وحصّلت الكمال ، كان عندي لك كذا وكذا ، وكنت كذا ، فأجابه بما أقنعه. ولما خرج من عنده ، قال لأصحابه : أنا الآن أعبد واحدا ، وقد عجزت عما يجب له ، فكيف حالي لو كنت أعبد ثلاثة كما أراد مني. وطلبه سلطان المسلمين ، ثاني الملوك من بني نصر (٢) ، واستقدمه ، وتلمذ له ، وأسكنه في أعدل البقع من حضرته. وكان الطلبة يغشون منزله المعروف له ، وهو بيدي الآن ، فتعلّم عليه الطب والتعاليم وغيرها ، إذ كان لا يجارى في ذلك. وكان قويّ العارضة ، مضطلعا بالجدل ، وكان السلطان يجمع بينه وبين منتابي حضرته ، ممن يقدم منتحلا صناعة أو علما ، فيظهر عليهم ، لتمكنه ودالّته ، حسبما يأتي في اسم أبي الحسن الأبّدي ، وأبي القاسم بن خلصون ، إن شاء الله. وكان يركب إلى باب السلطان ، عظيم التّؤدة ، معار البغلة ، رائق البزّة ، رفيق المشي ، إلى أن توفي بها ، سمح الله له.
محمد بن إبراهيم بن المفرّج الأوسي
المعروف بابن الدبّاغ الإشبيلي.
حاله : كان واحد عصره في حفظ مذهب مالك ، وفي عقد الوثائق ، ومعرفة عللها ، عارفا بالنحو واللغة والأدب والكتابة والشعر والتاريخ. وكان كثير البشاشة ، عظيم الانقباض ، طيّب النفس ، جميل المعاشرة ، كثير المشاركة ، شديد التّواضع ، صبورا على المطالعة ، سهل الألفاظ في تعليمه وإقرائه. أقرأ بجامع غرناطة لأكابر علمائها الفقه وأصوله ، وأقرأ به الفروع والعقائد للعامة مدة. وأقرأ بجامع باب الفخّارين ، وبمسجد ابن عزرة وغيره.
__________________
(١) نسبة إلى رقوطةRicate ، وهي من قرى مرسية.
(٢) هو السلطان أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، وقد حكم غرناطة من سنة ٦٧١ ـ ٧٠١ ه. اللمحة البدرية (ص ٥٠).