محمد بن محمد بن محارب الصّريحي
من أهل مالقة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن أبي الجيش.
حاله وأوليّته : أصل سلفه من حصن يسر من عمل مرسية ، من بيت حسب وأصالة ، ولخؤولته بالجهة التاكرونيّة ثورة.
وقلت فيه في «عائد الصلة» : كان من صدور المقرئين ، وأعلام المتصدّرين تفنّنا واضطلاعا وإدراكا ونظرا ، إماما في الفرائض والحساب ، قائما على العربية ، مشاركا في الفقه والأصول وكثير من العلوم العقلية.
قعد للإقراء بمالقة ، وخطب بجامع الرّبض.
مشيخته : قرأ على الأستاذ القاضي المتفنّن أبي عبد الله بن بكر ، ولازمه. ثم ساء ما بينهما في مسألة وقعت بمالقة ، وهي تجويز الخلف في وعد الله ، شنّع فيها على شيخنا المذكور. ونسبه إلى أن قال : وعد الله ليس بلازم الصّدق ، بل يجوز فيه الخلف ، إذ الأشياء في حقه متساوية. وكتب في ذلك أسئلة للعلماء بالمغرب ، فقاطعه وهجره. ولمّا ولّي القاضي أبو عبد الله بن بكر القضاء ، خافه ، فوجّه عنه إثر ولايته ، فلم يشكّ في الشّرّ ، فلما دخل عليه ، رحّب به ، وأظهر له القبول عليه ، والعفو عنه ، واستأنف مودّته ، فكانت تعدّ في مآثر القاضي ، رحمه الله.
ورحل المذكور إلى سبتة ، فقرأ بها على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي ، ومن عاصره ، ثم عاد إلى مالقة ، فالتزم التدريس بها إلى حين وفاته.
دخوله غرناطة : دخل غرناطة مرات ، متعلّما ، وطالب حاج. ودعي إلى الإقراء بمدرستها النّصرية (١) ، عام تسعة وأربعين وسبعمائة ، فقدم على الباب السّلطاني ، واعتذر بما قبل فيه عذره. وكان قد شرع في تقييد مفيد على كتاب «التسهيل» لابن مالك ، في غاية النبل والاستيفاء والحصر والتّوجيه ، عاقته المنية عن إتمامه.
وفاته : توفي بمالقة في كائنة الطاعون الأعظم في أخريات ربيع الآخر من عام خمسين وسبعمائة ، بعد أن تصدّق بمال كثير ، وعهد بريع مجد لطلبة العلم ، وحبس عليهم كتبه.
__________________
(١) هذه المدرسة أنشأها السلطان أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري ، ومكانها ما يزال معروفا إلى اليوم بغرناطة ، ويقع قبالة الكنيسة العظمى التي أنشئت على موقع المسجد الجامع. اللمحة البدرية (ص ١٠٩).