حاله : كان ، رحمه الله ، أحد الظرفاء من أهل بلده ، مليح الشكل ، حسن الشّيبة ، لوذعيا في وقار ، رشيق النظم والنثر ، غزلا مع الصّون ، كثير الدّعابة من غير إفحاش ، غزير الأدب ، حسن الصّوت ، رائق الخطّ ، بديع الوراقة ، معسول الألفاظ ، ممتع المجالسة ، طيّب العشرة ، أدّب الصّبيان مدة ، وعقد الشروط أخرى ، وكان يقرأ كتب الحديث والتفسير والرّقائق للعامة بالمسجد الأعظم ، بأعذب نغمة ، وأمثل طريقة ، مذ أزيد من ثلاثين سنة ، لم يخل منها وقتا إلّا ليلتين ، إحداهما بسبب امتساكنا به في نزهة برياض بعض الطلبة ، لم يخلف مثله بعده. وخطب بقصبة مالقة ، ومال أخيرا إلى نظر الطّب ، فكان الناس يميلون إليه ، وينتفعون به لسياغ مشاركته ، وعموم انقياده ، وبرّه ، وعمله على التّودّد والتّجمّل.
وجرى ذكره في «التّاج المحلّى» بما نصّه (١) : مجموع أدوات حسان ، من خطّ ونغمة ولسان ، أوراقه (٢) روض تتضوّع نسماته ، وبشره صبح تتألّق قسماته ، ولا تخفى (٣) سماته. يقرطس أغراض الدّعابة ويصميها ، ويفوّق سهام الفكاهة إلى مراميها ، فكلّما صدرت في عصره قصيدة هازلة ، أو أبيات منحطّة عن الإجادة نازلة ، خمّس أبياتها وذيّلها ، وصرف معانيها وسهّلها (٤) ، وتركها سمر النّدمان ، وأضحوكة الزمان (٥). وهو الآن خطيب المسجد الأعلى من مالقة (٦) ، متحلّ بوقار وسكينة ، حالّ من أهلها بمكانة مكينة ، لسهولة جانبه ، واتّضاح مقاصده في الخير ومذاهبه. واشتغل لأوّل أمره بالتّعليم (٧) والتّكتيب ، وبلغ الغاية في الوقار (٨) والتّرتيب ، والشّباب (٩) لم ينصل خضابه ، ولا سلّت للمشيب عضابه ، ونفسه بالمحاسن كلفة صبّة (١٠) ، وشأنه كله هوى ومحبّة ، ولذلك ما خاطبه به بعض أودّائه (١١) ، وكلاهما رمى أهله بدائه ، حسبما يأتي خلال هذا القول (١٢) وفي أثنائه ، بحول الله.
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٣٠) وبعضه في الكتيبة الكامنة (ص ٥٩ ـ ٦٠).
(٢) في المصدرين : «أخلاقه».
(٣) في الأصل : «يخفى» والتصويب من المصدرين.
(٤) في النفح : «وسيّلها».
(٥) في النفح : «الأزمان».
(٦) في المصدر نفسه : «بمالقة».
(٧) في النفح : «أمره بالتكتيب».
(٨) في النفح : «في التعليم والترتيب».
(٩) في الأصل : «وللشباب» والتصويب من النفح.
(١٠) كلمة «صبّة» ساقطة في الأصل.
(١١) الأودّاء : جمع ودود وهو المحب. لسان العرب (ودد).
(١٢) في الأصل : «المقول» والتصويب من النفح.