ومن الدّعابة ، وقد وقعت إليها الإشارة من قبل ، ما كتب به إليه صديقه الملاطف أبو علي بن عبد السّلام (١) : [الوافر]
أبا عبد الله نداء خلّ |
|
وفيّ جاء يمنحك النّصيحه |
إلى كم تألف الشّبان غيّا |
|
وخذلانا ، أما تخشى الفضيحة؟ |
فأجابه رحمه الله : [الوافر]
فديتك ، صاحب السّمة المليحه |
|
ومن طابت أرومته الصّريحه |
ومن قلبي وضعت له محلّا |
|
فما عنه يحلّ بأن أزيحه |
نأيت فدمع عيني في انسكاب |
|
وأكباد (٢) لفرقتكم قريحه |
وطرفي لا يتاح له رقاد |
|
وهل نوم لأجفان جريحه؟ |
وزاد تشوّقي أبيات شعر |
|
أتت منكم بألفاظ فصيحه |
ولم تقصد بها جدّا ، ولكن |
|
قصدت بها مداعبة قبيحه (٣) |
فقلت : أتألف الشبّان غيّا |
|
وخذلانا ، أما تخشى الفضيحه؟ |
وفيهم (٤) حرفتي وقوام عيشي |
|
وأحوالي بخلطتهم نجيحه |
وأمري فيهم أمر مطاع |
|
وأوجههم مصابيح صبيحه |
وتعلم أنّني رجل حصور (٥) |
|
وتعرف ذاك معرفة صحيحه |
قال في «التّاج» : ولمّا (٦) اشتهر المشيب بعارضه ولمّته ، وخفر الدهر لعمود (٧) صباه وأذمّته ، أقلع واسترجع ، وتألّم لما فرط وتوجّع ، وهو الآن من جلّة الخطباء طاهر العرض والثّوب ، خالص من الشّوب ، باد عليه قبول قابل التوب.
وفاته رحمه الله : في آخر صفر من عام خمسين وسبعمائة في وقيعة الطاعون العام ، ودخل غرناطة.
__________________
(١) البيتان وجوابهما في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٩).
(٢) في النفح : «وأكبادي».
(٣) في نفح الطيب : «وقيحة».
(٤) في المصدر نفسه : «ففيهم».
(٥) الحصور : من انقطع عن النساء وتفرّغ للعبادة. وفي القرآن الكريم : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً). سورة آل عمران ٣ ، الآية ٣٩ ، ولسان العرب (حصر).
(٦) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٣٠).
(٧) في النفح : «لصباه».