ومن الغرباء في هذا الباب
محمد بن أحمد بن محمد
ابن محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي (١)
من أهل تلمسان ، يكنى أبا عبد الله ، ويلقب من الألقاب المشرقية بشمس الدين.
حاله : هذا (٢) الرجل من طرف دهره ظرفا وخصوصيّة ولطافة ، مليح التوسّل ، حسن اللقاء ، مبذول البشر ، كثير التّودّد ، نطيف البزّة ، لطيف التّأنّي (٣) ، خيّر البيت ، طلق الوجه ، خلوب اللسان ، طيّب الحديث ، مقدر الألفاظ ، عارف بالأبواب ، درب على صحبة الملوك والأشراف ، متقاض لإيثار السلاطين والأمراء ، يسحرهم بخلابة لفظه ، ويفتلهم (٤) في الذّروة والغارب بتنزّله ، ويهتدي إلى أغراضهم الكمينة بحذقه ، ويصنع (٥) غاشيتهم بتلطّفه ، ممزوج الدّعابة بالوقار ، والفكاهة بالنّسك ، والحشمة بالبسط ، عظيم المشاركة لأهل ودّه ، والتّعصّب لإخوانه ، إلف مألوف ، كثير الأتباع والعلق (٦) ، مسخّر الرّقاع في سبيل الوساطة ، مجدي الجاه ، غاصّ المنزل بالطّلبة ، منقاد الدّعوة ، بارع الخطّ أنيقه ، عذب التّلاوة ، متّسع الرّواية ، مشارك في فنون من أصول وفروع وتفسير ، يكتب ويشعر ويقيّد ويؤلّف ، فلا يعدو السّداد في ذلك ، فارس منبر ، غير جزوع ولا هيابة (٧). رحل إلى المشرق في كنف حشمة من جناب والده ، رحمه الله ، فحجّ وجاور ، ولقي الجلّة ، ثم فارقه ، وقد عرف بالمشرق حقّه ، وصرف وجهه إلى المغرب ، فاشتمل عليه السلطان أبو الحسن أميره اشتمالا خلطه بنفسه ، وجعله مفضى سرّه ، وإمام جمعته ، وخطيب منبره ، وأمين رسالته ، فقدم في غرضها على الأندلس في (٨) أواخر عام ثمانية وأربعين وسبعمائة ، فاجتذبه (٩) سلطانها ، رحمه الله ، وأجراه على تلك الوتيرة ، فقلّده الخطبة بمسجده في السادس لصفر عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة ، وأقعده للإقراء بالمدرسة من حضرته. وفي أخريات عام أربعة
__________________
(١) ترجمة ابن مرزوق في التعريف بابن خلدون (ص ٤٩) ونيل الابتهاج (ص ٢٧٢) والديباج المذهب (ص ٣٠٥) والدرر الكامنة (ج ٣ ص ٤٥٠) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٣٦٥).
(٢) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٦٦).
(٣) في الأصل : «التأتي» والتصويب من النفح.
(٤) يفتلهم : يداورهم. لسان العرب (فتل).
(٥) في النفح : «ويصطنع».
(٦) العلق : الذين يتعلقون به ويتبعونه. لسان العرب (علق).
(٧) في النفح : «هيّاب».
(٨) كلمة «في» غير واردة في النفح.
(٩) في الأصل : «واجذبه» والتصويب من النفح.