عليه بتلمسان أمراؤها المتوثّبون عليها في هذه الفترة من بني زيّان ، إرضاء لقبيلهم المتّهم بمداخلته ، وقد رحل عنهم دسيسا من أميرهم عثمان بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراسن ، فصرف مأخوذا عليه طريقه ، منتهبا رحله ، منتهكة حرمته ، وأسكن قرارة مطبق عميق القعر ، مقفل المسلك ، حريز القفل ، ثاني اثنين. ولأيام قتل ثانيه ذبحا بمقربة من شفى تلك الرّكيّة ، وانقطع لشدّة الثّقاف (١) أثره ، وأيقن الناس بفوات الأمر فيه. ولزمان من محنته ظهرت عليه بركة سلفه في خبر ينظر بطرفه إلى الكرامة ، فنجا ولا تسل كيف ، وخلّصه الله خلاصا جميلا ، وقدم على الأندلس ، والله ينفعه بمحنته (٢).
شعره ، وما وقع من المكاتبة بيني وبينه : ركب (٣) مع السلطان خارج (٤) الحمراء ، أيام ضربت اللّوز قبابها البيض ، وزيّنت الفحص العريض ، والرّوض الأريض (٥) ، فارتجل في ذلك : [الكامل]
انظر إلى النّوار في أغصانه |
|
يحكي النجوم إذا تبدّت في الحلك |
حيّا أمير المسلمين وقال : قد |
|
عميت بصيرة من بغيرك مثّلك (٦) |
يا يوسفا حزت الجمال بأسره |
|
فمحاسن الأيام تومي هيت لك (٧) |
أنت الذي صعدت به أوصافه |
|
فيقال فيه : ذا مليك أو ملك (٨) |
ولما قدمت على مدينة فاس في غرض الرسالة ، خاطبني بمنزل الشاطبي على مرحلة منها بما نصه (٩) : [الكامل]
يا قادما وافى بكلّ نجاح |
|
أبشر بما تلقاه من أفراح |
هذي ذرى ملك الملوك فلذ بها |
|
تنل المنى وتفز بكلّ سماح |
مغنى الإمام أبي عنان يمّمن |
|
تظفر ببحر في العلى طفّاح |
__________________
(١) قوله : «لشدّة الثقاف» غير وارد في النفح.
(٢) في النفح : «بنيّته».
(٣) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٧٢).
(٤) في النفح : «بخارج».
(٥) الأريض : الكثير العشب. لسان العرب (أرض).
(٦) مثّلك : زعم أن لك مثيلا. لسان العرب (مثل).
(٧) هيت لك : اسم فعل أمر بمعنى هلمّ وتعال ؛ يقول سبحانه وتعالى : (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) سورة يوسف ١٢ ، الآية ٢٣.
(٨) أخذه من قول الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) سورة يوسف ١٢ ، الآية ٣١.
(٩) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ١٩٨ ـ ١٩٩).