خوّار (١) العنان ، وسّاع الخطو ، بعيد الشأو ، يفيض من حديث إلى فقه ، ومن أدب إلى حكاية ، ويتعدّى ذلك إلى غرائب المنظومات ، ممّا يختصّ بنظمه أولو الشّطارة والحرفة من المغاربة ، ويستظهر مطوّلات القصاص ، وطوابير الوعّاظ ، ومساطير أهل الكدية ، في أسلوب وقاح يفضحه الإعراب ، حسن الخلق ، جمّ الاحتمال ، مطرّح الوقار ، رافض التّصنّع ، متبذّل (٢) اللّبسة ، رحيب أكناف المرارة لأهل الولايات ، يلقي بمعاطنهم البرك ، وينوط بهم الوسائل ، كثير المشاركة لوصلائه ، مخصب على أهل بيته ، حدب على بنيه. قدم على الأندلس عام اثنين وعشرين وسبعمائة ، فأقام بالجزيرة مقرئا بمسجد الصّواع منها ، ومسجد الرّايات ، ثم قدم على مالقة وأقرأ بها ، ثم قدم على غرناطة عام خمسة وعشرين وسبعمائة ، فتعرف على أرباب الأمر ، بما نجحت حيلته ، وخفّ به موقعه ، فلم يعدم صلة ، ولا فقد مرفقة ، حتى ارتاش وتأثّل بمحل سكناه من مالقة ، مدرة مغلّة ، وعقارا مفيدا. وطال قعوده لسرد الفقه بمسجدها الجامع ، نمير في الركب ، مهجور الحلقة ، حملا من الخاصّة والعامّة ، لتلبّسه بالعرض الأدني. وهو الآن خطيب مسجد القصبة بها ، ومحلّه من الشهرة ، بالحفظ والاستظهار لفروع الفقه ، كبير.
مشيخته : قرأ القرآن على الجماعة بالمغرب والأندلس ، منهم أبوه ، والأستاذ أبو الحسن القيجاطي البلوي ، وأبو إسحاق الحريري ، وأبو الحسن بن سليمان ، وأبو عبد الله بن أجروم. وقرأ الفقه على أبي زيد الجزولي ، وعبد الرحمن بن عفّان ، وأبي الحسن الصغير ، وعبد المؤمن الجاناتي ، وقرأ الكتاب بين يديه مدة ، ثم عزله ، ولذلك حكاية. حدّثني الشيخ أبو عبد الله الكرسوطي ، المترجم به ، قال : قرأت بين يديه ، في قول أبي سعيد في التهذيب ، والدّجاج والأوز المخلات ، فقال : انظر ، هل يقال الدّجاج أو الجدّاد ، لغة القرآن أفصح ، قال الله تعالى : وجدد بيض ، وحمر مختلف ألوانها ، وغرابيب سود. فأزرى به ، ونقل إليه إزاره ، فعزله. وقعد بعد ذلك للإقراء بفاس ، كذا حدث. وأخذ عن أبي إسحاق الزناتي ، وعن خلف الله المجاصي ، وأبي عبد الله بن عبد الرحمن الجزولي ، وأبي الحسين المزدغي ، وأبي الفضل ابنه ، وأبي العبّاس بن راشد العمراني ، وأبي عبد الله بن رشيد. وروى الحديث بسبتة عن أبي عبد الله الغماري ، وأبي عبد الله بن هاني ، وذاكر أبا الحسن بن وشّاش. وبمالقة عن الخطيب الصالح الطّنجالي ، وأبي عمرو بن منظور.
__________________
(١) خوار العنان : سهل المعطف ليّنه.
(٢) متبذل اللبسة : غير معتن بملبسه وهندامه ، بخلاف مبتذل اللبسة أي رثّ الملابس.