فقال له الفرزدق (١) وكان حاضرا : ويحك فأين أنت عن عبد الله بن خازم السّلمي وعبد الله بن الزبير؟
فقال : ويحك إنّما ذكرنا الإنس وأمّا الجنّ فلم نذكرهم.
وعبد الله بن الزبير من الفرسان الشجعان ، كان فيمن انتدب لغزو إفريقية [س ١١٨] مع عبد الله بن أبي سرح وهو الذي قتل جرجير ملك إفريقية. وكان جرجير في حين القتال قد أبرز ابنته لجيوشه وجعلها على ديدبان خشب في عدّة من خدمها في الحلي والحلل سافرة عن وجهها ، وحلف لهم بالمسيح والنصرانية : لا قتل عبد الله بن أبي سرح رجل منكم إلّا زوّجته إيّاها وأنزلته في المنزلة التي لا يطمع فيها أحد غيره. فحرّض بذلك الروم تحريضا شديدا. وإنّ عبد الله بن أبي سرح لمّا انتهى إليه ما فعل جرجير نادى في أهل عسكره :
والله لا قتل أحد منكم جرجيرا إلا نفّلته ابنته وما معها. ثمّ زحف بمن معه من المسلمين فاستحرّ القتال واضطرمت الحرب ، وكان المسلمون عشرين ألفا ، وجرجير في مئة وعشرين ألفا ، فضاق بالمسلمين أمرهم واختلفوا على ابن أبي سرح في الرأي ، فدخل فسطاطه يخلو بنفسه ويفكّر في أمره. قال عبد الله بن الزبير : فرأيت عورة من جرجير والناس على مصافّهم وهو خلف أصحابه منقطعا منهم على برذون أشهب ، ومعه جاريتان له تظّللانه من الشمس بريش الطواويس ، فأتيت فسطاط ابن أبي
__________________
(١) الفرزدق : ت ١١٣ ه ـ ٧٣٢ م : همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس ، الشهير بالفرزدق ، شاعر من النبلاء ، من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة ، وهو صاحب الأخبار مع جرير والأخطل ، كان شريفا في قومه ، عزيز الجانب ، وكان أبوه من الأجواد الأشراف وكذلك جدّه. عن الأعلام ٨ : ٩٣ ، وللدكتور شاكر الفحام كتاب كبير عن الفرزدق صحح فيه الكثير مما قيل في أخباره. طبع في دار الفكر بدمشق.