على جبل جوشن ونهى عن القتال وقال : نحن هاهنا نستغل البلاد وما علينا من الحصن الذي بلغ منه هذا العناد ، وأنفذ رسل الترهيب إليهم ففكر عماد الدين زنكي في أمره ورأى أن الصواب مصالحة السلطان ، فأنفذ سرا إليه حسام الدين طمان وصالحه وحلفه على أن يسلم إليه حلب ويرد عليه بلده سنجار ، ففعل وزاده الخابور ونصيبين والرقة وسروج واشترط عليه إرسال العسكر في الخدمة للغزاة.
وقال ابن الأثير : نزل صلاح الدين في الميدان الأخضر وأقام به عدة أيام ، ثم انتقل إلى جبل جوشن فنزل بأعلاه وأظهر أنه يريد أن يبني مساكن له ولأصحابه وعساكره ، وأقام عليها أياما والقتال بين العسكرين كل يوم ، وكان عماد الدين زنكي ومعه العسكر النوري وهم مجدون في القتال ، فلما رأى كثرة الخرج كأنه شح بالمال فحضر يوما عنده بعض أجناده وطلبوا منه شيئا فاعتذر بقلة المال عنده ، فقال له بعضهم : من يريد أن يحفظ مثل حلب يخرج الأموال ولو باع حلي نسائه ، فمال حينئذ إلى تسليم حلب وأخذ العوض منها ، وأرسل مع الأمير طمان الياروقي وكان يميل إلى صلاح الدين أنه يسلم حلب ويأخذ عوضها سنجار ونصيبين والخابور والرقة وسروج ، وجرت اليمين على ذلك وباعها بأوكس الأثمان ، أعطى حصنا مثل حلب وأخذ عوضها قرى ومزارع ، فنزل عنها ثامن عشر صفر وتسلمها صلاح الدين فعجب الناس كلهم من ذلك وقبحوا ما أتى به ، حتى إن بعض عامة حلب أحضر إجانة وماء وناداه : أنت لا يصلح لك الملك وإنما يصلح لك أن تغسل الثياب ، وأسمعوه المكروه (هو قولهم يا حمار بعت حلب بسنجار). واستقر ملك صلاح الدين بملكها وكان مزلزلا فثبت قدمه بتسليمها وكان على شفا جرف ، وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له اه.
قال في الروضتين : وفي آخر يوم السبت ثامن عشر صفر نشر سنجق السلطان الأصفر على سور قلعة حلب وضربت له البشائر ، وفي ذلك الوقت تخفى عماد الدين وخرج من القلعة ليلا إلى المخيم وأخذ في إخراج ما كان له بالقلعة من مال وسلاح وأثاث ، وكان استناب الأمير حسام الدين طمان في القلعة حتى توافى رسله بتسليم سنجار ونصيبين والخابور إلى نوابه ، وأعطى السلطان طمان الرقة لوساطته في أمر عماد الدين ، وكان السلطان شرط أنه ما يريد من حلب إلا الحجر ، فقط ، وأذن لعماد الدين في أخذ جميع ما في القلعة وما يمكنه حمله فلم يترك عماد الدين فيها شيئا ، وباع في السوق كل ما لم يتمكن