وشاذي (جد صلاح الدين) أخذ ولديه نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه وخرج بهما إلى بغداد ، وهناك خدم ولداه مجاهد الدين بهروز بن عبد الله الغياثي شحنة العراق ، فرأى مجاهد الدين في نجم الدين أيوب عقلا ورأيا حسنا وحسن سيرة فجعله دزدار تكريت (١) فسار إليها هو ووالده وأخوه أسد الدين ، ومات أبوه شاذي بها ، وعلى قبره قبة داخل البلد.
ثم حصلت وقعة بين الإمام المسترشد وبين مسعود بن محمد ملكشاه السلجوقي وعماد الدين زنكي صاحب الموصل ، فأرسل المسترشد إلى قراجا الساقي وهو صاحب بلاد فارس وخوزستان يستنجده ، فأتاه وكبس عسكرهما وانهزما بين يديه ، فوصل زنكي إلى تكريت فخدمه نجم الدين أيّوب وأقام له السفن ، فعبر دجلة هناك وتبعه أصحابه ، فأحسن نجم الدين إليهم ، وبلغ ذلك مجاهد الدين بهروز فسير إليه وأنكر عليه وقال له : كيف ظفرت بعدونا فأحسنت إليه وأطلقته. ثم إن أسد الدين قتل إنسانا بتكريت لكلام جرى بينهما ، فأرسل مجاهد الدين إليهما فأخرجهما من تكريت فقصدا عماد الدين زنكي ، وكان إذ ذاك صاحب الموصل ، فأحسن إليهما وعرف لهما خدمتهما وأقطع لهما إقطاعا حسنا وصارا من جملة جنده ، فلما فتح عماد الدين زنكي بعلبك وذلك في أوائل سنة أربع وثلاثين وخمسمائة جعل نجم الدين دزدارها.
ثم قال : اتفق أرباب التواريخ أن صلاح الدين مولده سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة بقلعة تكريت لما كان أبوه وعمه بها ، والظاهر أنهم ما أقاموا بها بعد ولادة صلاح الدين إلا مدة يسيرة. ولما قتل زنكي حصر صاحب دمشق مجير الدين أبق بن بوري بعلبك ، فأرسل نجم الدين أيوب إلى سيف الدين غازي بن زنكي صاحب الموصل وقد قام بالملك بعد والده ينهي إليه الحال ويطلب منه عسكرا ليرحل صاحب دمشق عنه ، وكان سيف الدين في ذلك الوقت في أول ملكه وهو مشغول بإصلاح ملوك الأطراف المجاورين له فلم يتفرغ له ، وضاق الأمر على من في بعلبك من الحصار ، فلما رأى نجم الدين أيوب الحال وخاف أن تؤخذ قهرا أرسل في تسليم القلعة وطلب إقطاعا ذكره فأجيب إلى ذلك ، وحلف له صاحب دمشق عليه وسلم له القلعة ووفى له صاحب دمشق بما حلف عليه من
__________________
(١) قال ابن خلكان : دزدار بضم الدال وسكون الزاي وفتح الدال وهو لفظ أعجمي معناه حافظ القلعة وهو الوالي. ودز بالعجمي القلعة ودار الحافظ.