وبنى مدرسة رتب فيها فقهاء الفريقين من الشافعية والحنفية ، وكان كل وقت يأتيها بنفسه ويعمل السماط ويبيت بها ويعمل السماع ، وإذا طاب خلع شيئا من ثيابه وسير للجماعة بكرة شيئا من الإنعام ، ولم يكن له لذة سوى السماع فإنه كان لا يتعاطى المنكر ولا يمكّن من إدخاله إلى البلد.
وبنى للصوفية خانقاهين فيهما خلق كثير من المقيمين والواردين ويجتمع في أيام المواسم فيهما من الخلق ما يعجب الإنسان من كثرتهم ، ولهما أوقاف كثيرة بجميع ما يحتاج إليه ذلك الخلق ، ولا بد عند سفر كل واحد من نفقة يأخذها. وكان ينزل بنفسه إليهم ويعمل عندهم السماعات في كثير من الأوقات.
وكان يسيّر في كل سنة دفعتين جماعة من أمنائه إلى بلاد الساحل ومعهم جملة مستكثرة من المال يفتكّ بها أسرى المسلمين من أيدي الفرنج ، فإذا وصلوا إليه أعطى كل واحد شيئا ، وإن لم يصلوا فالأمناء يعطونهم بوصية منه في ذلك.
وكان يقيم في كل سنة سبيلا للحاج ويسيّر معه جميع ما تدعو حاجة المسافر إليه في الطريق ويسيّر صحبته أمينا معه خمسة أو ستة آلاف دينار ينفقها بالحرمين على المحاويج وأرباب الرواتب ، وله بمكة حرسها الله تعالى آثار جميلة وبعضها باق إلى الآن ، وهو أول من أجرى الماء إلى جبل عرفات ليلة الوقوف وغرم عليه جملة كثيرة ، وعمر بالجبل مصانع للماء فإن الحاج كانوا يتضررون من عدم الماء ، وبنى له تربة أيضا هناك.
احتفاله بمولد النبي الكريم :
قال : وأما احتفاله بمولد النبي صلىاللهعليهوسلم فإن الوصف يقصر عن الإحاطة به لكن نذكر طرفا منه. وهو أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من إربل مثل بغداد والجزيرة وسنجار ونصيبين وبلاد العجم وتلك النواحي خلق كثير من الفقهاء والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء ، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول ، ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب كل قبة أربع أو خمس طبقات ، ويعمل مقدار عشرين قبة وأكثر منها قبة له والباقي للأمراء وأعيان دولته لكل واحد قبة ، فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة وقعد في كل قبة جوق من المغاني وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي ، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات حتى رتبوا فيها جوقا ، وتبطل معايش الناس في تلك المدة وما يبقى