العهود والمواثيق ، وتسود بين أسرهم صفات الشرف والوئام والإخلاص ، ويجهلون العبودية والسفالة : فكل رجل ، مهما كان مقامه ، يحافظ ، وفي كل المناسبات ، على إحساسه بالأنفة ، وإن حاجاته المحدودة لا تجعل الفقر ينال من أخلاقه.
إن الصحراء صرح المساواة. وإن السيئة الوحيدة الرئيسية لدى البدو هي حبهم الكبير للمال ، أو لما يمثله ؛ ولكن عذرهم في الفقر ؛ ولماذا نأخذ عليهم ذلك ، وأي شعب في أوروبا كلها لا يبدي نهما للذهب يفوق بكثير ما نجده عند أولئك البدو من حب المال : والفارق الوحيد بين الحالتين هو أننا في أوروبا نختلس بمهارة ، ونغش ، ويبيع المرء ضميره وشرفه ، بينما يفرض العربي المال على القوافل ، ويغزو أعداء قبيلته من القبائل الأخرى علنا ، ويعرّض حياته للخطر ، ويقترن كل ذلك في ذهنه بمصادفات الحرب ، وأخطارها ، وقوانينها ، وتكون تلك الأفعال مطبوعة في الوقت نفسه بضرب من السمو لا تجده بالتأكيد في الاختلاس الصامت والخفي الذي يمارسه الأوروبيون.
ليس لدى الأتراك ما يقدمونه مقابل هذه المناقب والمثالب إلّا المثالب الخالصة ، ومناقب لم تعد موجودة ؛ فالشجاعة التي كانت مصدر قوة أسلافهم ونجاحهم لم تعد موجودة لديهم إلّا في الحكايات ؛ فلا يكاد أحد ينجو من شراستهم ، ولا يعادل عنفهم / ٣٠٢ / إلّا غدرهم ؛ وهم فاسدون بلا رادع : فالجشع الذي لا يشبع ، والارتشاء بلا خجل ينتشران في كل الأعمال العامة والخاصة ، من أعلى موظفي الإمبراطورية إلى أدناهم. إذا ، إن العرب يتفوقون عليهم إن في الجانب الأخلاقي ، وإن في الذكاء ، والعقلية ، والثقافة.