ارتوت الحمير والجمال من ذلك الماء ما يكفي لثلاثة أيام ، ثم ولجنا الصحراء أخيرا. سرنا مدة ساعات دون حوادث ودون معوقات ، على أرض صلبة متعرجة.
ولمّا كان انطلاقنا قد تأخر ، فقد ضربنا الخيام في نهاية النهار قرب المحطة رقم ٣ على ست مراحل فقط من القاهرة ، وبالتحديد تحت برج اللاسلكي الذي أنشئ في هذه المنطقة بالإضافة إلى عربات النقل ، وورديات النقل ، والفنادق ووسائل أخرى من وسائل الحضارة الغربية التي تجعلك تحس بالغربة ، والتي تزيل بهاء صحراء السويس.
إلّا أنه ، وعلى الرغم من هذه المظاهر المزعجة ، ومن وجود المحطة ؛ لم يكن هناك أحد لتعكير صفو العزلة ، وكان الصمت مطبقا. أما سلسلة المقطم الحجرية التي تسير الطريق على امتداده بمحاذاتها ، والتي تمتد على يمينه من النيل إلى البحر الأحمر ، فإنها كانت بلونها الأسود متباينة كل التباين مع الخلفية المضيئة لغروب متلألئ.
كان / ٧ / رمل الصحراء زهري اللون ، وكان هدوء المساء يعلن بجلال نهاية يوم هادئ ، ويرهص بليلة لن تكون أقل هدوءا ، إلا أن الهواء كان باردا ، باردا حتى إنني وجدت نفسي مدفوعا إلى ارتداء البرنس الصوفي الفضفاض الذي كنت اشتريته صباح ذلك اليوم من سوق القاهرة ، وليس ذلك بغريب فقد كنّا في يوم ١٦ يناير (كانون الثاني).
نصبت الخيام بعد قليل ، وقدّم طعام العشاء ، دون أن ننسى تقديم العشاء للحيوانات ؛ إذ تلقت الجمال المناخة حول المعسكر ، والحمير الواقفة على عراقيبها الفولاذية حصتها البسيطة من الفول أو الذرة ، دون أن يقدم لها قطرة واحدة من الماء.