الحائط. وقد رأيت في اللحظة التي تليها منظرا مناقضا وكأنه رسم كاريكاتوري (ساخر) للوحة الرائعة الأولى : رأيت جملا هزيلا يجر متثاقلا عربة قديمة ؛ لكأنني كنت أرى علائم الدهشة بادية على ذلك الجمل المسكين بسبب عمله الذي لم يعتده! لم تكن عجلتا العربة ذواتي شكل دائري بل كانتا بيضاويتين ، وتصدران جلبة وصريرا تحت الجازع. لقد كانت تلك الآلة البشعة ، وهي تقليد غير متقن لعربات النقل ، تحتك بقائمتي ذلك الحيوان المسكين ، وتعيق حرية الحركة لديه حتى إنه لم يكن يتمكن من السير إلا بصعوبة وبارتباك يبعث على الضحك. ما أوسع الشقة بين هذا التجديد البربري والغبي ، وبين المظهر الرائع الذي يبدو عليه الجمل وقد علاه الأعرابي حسب وظيفته المعتادة في الطبيعة. / ١٠ /
كان هناك أيضا منظر أكثر إثارة للاشمئزاز ، إنه منظر جيف الجمال المنتشرة على الطريق ، بعضها أكلت الحيوانات اللاحمة نصفها ، وبعضها الآخر أفسدته الشمس. عندما يصل الجمل إلى مرحلة الإرهاق يسقط بما يحمله ، ولا تستطيع قوة إنسانية أن تجعله يقف على قدميه ثانية ؛ عندئذ يوزّع حمله على الجمال الأخرى التي ما زالت تحتفظ بقوتها ، ويترك الجمل لمصيره المحتوم : يموت من الجوع في المكان الذي سقط فيه ، ويصبح بعد موته بقليل طعاما للضباع والنسور.
تلك هي النهاية الحتمية لذلك الحيوان الأثير الذي يصلح كل الصلاحية للمكان الذي ولد فيه. وبعد أن رأيت هدوءه وشجاعته وخضوعه فإنني أسميه بكل طيبة خاطر : شهيد الصحراء وليس سفينة الصحراء.