كانت أعيارنا القوية تسبق الجمال التي لا تقطع إلا ميلين أو ميلين ونصفا في الساعة ؛ لذلك توقفنا في منتصف النهار لمدة ساعتين للاستراحة وانتظار القافلة ، لقد بدأنا ونحن مستلقون على الرمال على قارعة الطريق الرئيسي بالإعداد لتناول غداء تقشفي ، كان يعتمد أساسا على البرتقال الذي اشتريناه من البائعة المسكينة في المحطة رقم (٤). / ١٢ / وكانت أسراب الغربان والصقور الآتية من المقطم تحوم فوق رؤوسنا ، مستعدة كل الاستعداد وقد نفد صبرها ، لكي تنقض على فضلات طعامنا ، مع أنها قليلة ، وكانت في هذه الأثناء بعض القبرات التي لا تكاد ترى تغني بنغمة فرحة في طبقات الهواء العليا ، وكان القطا ، عصفور الصحراء الذي سمي بذلك محاكاة لصوته الرتيب الذي يشبه النواح ، وهو خاص به ، ويكرره آلاف المرات وهو يتطاير من حولنا.
كان الجو جميلا ، والهواء عليلا حتى إننا لم نستطع أنا وأحد رفاق الرحلة مقاومة الرغبة في السير ؛ وقد كان ذلك رغبة في التسلية ، ولإعطاء حميرنا استراحة هي بالتأكيد مستحقة كل الاستحقاق لها. لقد تمكنا من السير لأن الطريق كانت صلبة ، وكان بالإمكان أن تنقلب تلك التسلية إلى تعب لا يحتمل ، لو أننا كنا نسير على الرمال المتحركة. لقد سرنا لأميال عدة دون أن نلحظ ذلك ، ونحن نتجاذب أطراف الحديث. لقد كان رفيقي يحب المشي شأنه شأني ، وكان رحالة مجربا ، إنجليزيا وضابطا في جيش بومباي ، واشتهر في بريطانيا بكتبه عن الشرق ؛ أحدها عن الصيد بالصقور في سورية. وكان عائدا إلى فرقته العسكرية بعد عطلة عدة أشهر