وقد ظهرت بمصر عام ١٩٦٤ م ١٣٨٣ عن المكتبة التجارية الكبرى طبعة أخرى للرحلة وذكر على أول صفحة فيها أنّها" روجعت وصححت على عدة نسخ صحيحة ، بمعرفة لجنة من الأدباء"
وقد أغراني هذا الإعلان فشددت الرحلة لطلب هذه الطبعة المصحّحة على عدة نسخ ومن طرف ثلة من الأدباء الذين لم يذكر منهم اسم واحد ، لكنها كانت نسخة طبق الأصل من كل النسخ التي صدرت بمصر : فهي تبتدىء بالخطإ المشهور الذي ينسب المقدمة لابن بطوطة مع أنها لابن جزي. ثم تسير على نحو سابقاتها في أغلاطها. والفرق الوحيد بينها وبين سابقاتها أنها تجعل الكلمات التي تشكل الأعلام الجغرافية بين هلالين مثلا : بلاد (البره نكار) يقول عنها : (وضبطها بفتح الباء الموحدة والراء والنون والكاف وسكون الهاء). وهي عبارة عن جزئين في مجلد واحد. وقد ختم المصححون" السفر الاول" بايراد تذييل لابن خلدون حول «تناجي الناس» وحول اتصاله اي ابن خلدون بالوزير أبن ودرار ... بينما ختم السفر الثاني بالتنويه" بالحاج مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى شارع محمد علي." وقد وافق التمام أوائل شهر رجب من عام ١٣٧٧ ـ (٢٢ يناير ١٩٥٨). هذا وقد صدرت طبعة أخرى عن المكتبة التجارية الكبرى عام ١٣٨٦ ـ ١٩٦٧ ...
وفي سنة ١٣٨٨ ـ ١٩٦٨ صدر عن دار التراث في بيروت نسخة جديدة مزيّتها فقط أنها تنسب المقدمة لصاحبها ابن جزي وليس لابن بطوطة ، والباقي جار على سنن الطبعات السابقة. وقد ظهرت طبعة جديدة للرحلة عام ١٣٩٢ ـ ١٩٧٢ لمؤسسة الرسالة في بيروت رأى زميل لنا عزيز (١١) أن يقوم بتقليد صنيع الناشرين في لبنان ، وهكذا حذف العبارات التي تضبط الأعلام الجغرافية ، بل وقام باجتهاد جديد وهو أنه" جرّد أقوال ابن جزي من صلب الرحلة وجعلها في ذيول على حدة نظرا لكون فائدتها ـ في نظره ـ ثانوية! وقد سلك هذا الصّنيع أيضا في بعض النصوص التي وردت أثناء الكتاب. ومعنى كلّ هذا أن الرحلة التي عرفها الناس أيام السلطان أبي عنان راحت لتعوّضها رحلة" أخرى بترتيبات أخرى.
وقد أتعب مثل هذا الصنيع أصحابه فلم يستطيعوا الالتزام به ابتداء من أول فقرة في الرحلة عندما استهل أبن جزي مقدمته بقوله : " الحمد لله الذي ذلل الأرض لعباده ليسلكوا فيها سبلا فجاجا" إلخ. فهل لم يكن من واجب هؤلاء الزملاء ـ وقد قرروا فصل كلام ابن جزي عن الرحلة ـ أن يجعلوا المقدمة ذيلا كذلك؟! هذا إلى هفوات بالغة لم ينتبه لها : مثل كلمة التارات في المقدمة التي تحولت إلى القارات! وكلمة الفارسية التي تحولت كذلك إلى الفاسية!
__________________
(١١) القصد إلى الزميل الدكتور الأستاذ علي المنتصر الكتاني الذي طبع (الرحلة) مشكورا في جزئين ...