كرامة له
دخلت إلى هذا الشريف متبركا برؤيته والسلام عليه فسألني عن قصدي ، فأخبرته ، إني أريد حج البيت الحرام على طريق جدة ، فقال لي : لا يحصل لك هذا في هذا الوقت فارجع وإنما تحج أول حجة على الدرب الشامي فانصرفت عنه ولم اعمل على كلامه ومضيت في طريقي حتى وصلت إلى عيذاب فلم يتمكن لي السفر فعدت راجعا إلى مصر ثم إلى الشام ، وكان طريقي في أول حجاتي على الدرب الشامي حسبما أخبرني الشريف نفع الله به.
ثم سافرت إلى مدينة قنا وهي صغيرة حسنة الاسواق ، واسمها بقاف مكسورة ونون ، وبها قبر الشريف الصالح الوالي صاحب البراهين العجيبة ، والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة الله عليه (١٧٨) ، ورأيت بالمدرسة السّيفية منها حفيده شهاب الدين أحمد.
وسافرت من هذا البلد إلى مدينة قوص (١٧٩) وهي بضم القاف مدينة عظيمة ، لها خيرات عميمة ، بساتينها مورقة وأسواقها مونقة ، ولها المساجد الكثيرة ، والمدارس الأثيرة ، وهي منزل ولاة الصعيد ، وبخارجها زاوية الشيخ شهاب الدين ابن عبد الغفار ، وزاوية الأفرم ، وبها اجتماع الفقراء المتجردين في شهر رمضان من كل سنة ، ومن علمائها القاضي بها جمال الدين بن السديد (١٨٠) ، والخطيب بها فتح الدين بن دقيق العيد (١٨١) أحد الفصحاء البلغاء الذين حصل لهم السبق في ذلك ، لم أر من يماثله إلا خطيب المسجد الحرام بهاء الدين الطبري ، وخطيب مدينة خوارزم حسام الدين المشاطي وسيقع ذكرهما ، ومنهم
__________________
(١٧٨) لعلّ القصد إلى الشيخ عبد الرحيم بن أحمد بن حجون بن محمد القنائي المتوفى عام ٥٩٢ ـ ١١٩٦ ، من كبار النساك ، مغربي الأصل ولد في إحدى قرى سبتة ، أقام بمكة سبع سنين واستقر في قنا ... الأعلام ، الزركلي ٤ ، ١١٨.
(١٧٩) قوص (QUS) حسب ابن دقماق فإنها كانت مقرّ القيادة العسكرية في مصر العليا ، وفي أيام ابن جبير كانت قوص نقطة انطلاق القوافل نحو عيذاب ...
(١٨٠) القصد إلى محمد بن عبد الوهاب بن علي الأسنائي جمال الدين ابن السديد ، درس الفقه على البهاء القفطي وأجازه بالفتوى وأخذ بالقاهرة عن الدمياطي وابن دقيق العيد وابن جماعة وأبي حيان ، ولى العقود بالقاهرة وناب في الحكم ، ثم قسّم الجلال القزويني عمل قوص بينه وبين القمولي ، توفي عام ١٣٣٩ ٧٣٩ ـ الدرر الكامنة ٤ ، ١٥٥.
(١٨١) القصد إلى محمد بن عثمان بن علي بن وهب بن دقيق العيد ، ويلقب بجلال الدين (لا فتح الدين كما عند ابن بطوطة) سمع من جده ومن الدمياطي واشتغل في المذهبين ، وكان ابن جماعة يكرمه ويبره وكتب له بتدريس دار الحديث بقوص ، أدركه أجله بالقاهرة سنة ٧٢٦ ـ ١٣٢٦ ـ ١٣٢٧. ـ ابن حجر : الدرر ٤ ، ١٦٢.