وبأسفل الربوة قرية النّيرب (٢٨٦)وقد تكاثرت بساتينها وتكاثفت ظلالها ، وتدانت أشجارها ، فلا يظهر من بنائها إلا ما سما ارتفاعه ، ولها حمّام مليح ولها جامع بديع مفروش صحنه بفصوص الرخام ، وفيه سقاية ماء رائقة الحسن ومطهرة فيها بيوت عدة يجري فيها الماء.
وفي القبلىّ من هذه القرية قرية المزّة ، وتعرف بمزّة كلب (٢٨٧) نسبة إلى قبيلة كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة ، وكانت إقطاعا لهم ، وإليها ينسب الامام حافظ الدنيا جمال الدين يوسف بن الزكى الكلبي المزّى (٢٨٨) وكثير سواه من العلماء ، وهي من أعظم قرى دمشق ، وبها جامع كبير عجيب وسقاية معينة.
وأكثر قرى دمشق فيها الحمّامات والمساجد الجامعة والأسواق وسكانها كأهل الحاضرة في مناحيهم وفي شرقي البلد قرية تعرف ببيت إلاهيّة (٢٨٩) وكانت فيها كنيسة يقال : إن آزر كان ينحت فيها الأصنام فيكسرها الخليل عليهالسلام ، وهي الآن مسجد جامع بديع مزين بفصوص الرخام الملونة المنظمة بأعجب نظام ، وأزين التئام.
ذكر الأوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم
والأوقاف بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها ، فمنها أوقاف العاجزين عن الحج يعطي لمن يحج عن الرجل منهم كفايته ، ومنها أوقاف على تجهيز البنات (٢٩٠) إلى أزواجهن وهي اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن ، ومنها أوقاف لفكاك الأساري ، ومنها أوقاف لابناء السبيل يعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم ، ومنها أوقاف على
__________________
(٢٨٦) النّيرب يقول ياقوت إنه يقع على بعد نصف فرسخ من دمشق في الاجنة التي لم ير مثلها وقد سلفت الاشارة إليه عند الحديث عن مسجد النّيرب.
(٢٨٧) المزة الحالية على بعد خمس كيلوميترات غربي دمشق ... أما عن قبيلة بني كلب فهي من أبرز القبائل العربية في سوريا الوسطى ... واليهما ينتسب دحية سفير النبي صلىاللهعليهوسلم إلى ملك الروم.
(٢٨٨) يوسف ابن الزكى عبد الرحمن بن يوسف أبو الحجاج جمال الدين الكلبي مشيخته نحو الف شيخ ، سمع بالشام والحرمين ومصر وحلب والاسكندرية ، محدث الديار الشامية في عصره يتوجه لالقاء دروسه في الصالحية مشيا في العشر التسعين ولم يكن له مركوب ، له عدد من التأليف ... وكان أعرف الناس بالرجال ... ترجم له ابن حجر ترجمة واسعة في كتابه (الدرر الكامنة) ج ٥ ص ٢٣٣ ـ ٢٣٧. أدركه أجله في دمشق يوم السبت ١٢ صفر ٧٦٢ ـ ١٣٤١.
(٢٨٩) بيت إلاهية يقع شمال شرق المدينة وقد اختفت معالمه اليوم وينطق به عند الأهالي بيت لهية : وآزر والد سيدنا ابراهيم.
(٢٩٠) مثل هذه الأوقاف على تجهيز الفقيرات ، وعلى من تكسرت له آنية ، وجدناه في أخبار مدينة فاس هذا ولا بد أن تستوقفنا عادة التحبيس على فك الأسرى من العدو ـ د. التازي : توظيف الوقف لخدمة السياسة الخارجية في المغرب صدر في كتاب حول الوقف للمعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق ١٩٩٥ ص ٥٧ ـ ٨٥.